اتفق محللان سياسيان على أن تزايد حديث نخب سياسية وفكرية في إسرائيل عن تعرض بلادهم لهزيمة نكراء بعد طوفان الأقصى وتخوف عدد منهم من أن يكون مآل ذلك زوال دولتهم، يأتي في إطار تكشف نقاط ضعف قاتلة دفعتهم إلى تلك التنبؤات، مما يشير إلى انهيار وجودي محتمل.
وكان آخر تلك التصريحات حديث زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان عن أن الوضع الراهن في إسرائيل يثير قلقه الشديد نظرا لحالة الانهيار التي تمر بها الدولة في مختلف الأصعدة، مع تنبؤه بزوال إسرائيل في أفق 2026 إذا استمر الخلاف القائم حاليا بين الائتلاف الحاكم والكنيست.
وفي هذا الإطار، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح الوطنية الدكتور حسن أيوب، أن الخلافات العميقة في إسرائيل تعود لطبيعة بناء المجتمع السياسي القائم على عسكرة المجتمع، حيث كان الجيش يلعب دورا تاريخيا رئيسيا في لملمة الخلافات الداخلية، لكن عملية “طوفان الأقصى” كشفت نقاط ضعف بنيوية في المؤسسة العسكرية.
ويشير أيوب -خلال حديثه لبرنامج “غزة.. ماذا بعد؟”- إلى أن المؤسسة العسكرية لم تعد تشعر بالارتياح للقرارات السياسية التي يتخذها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إذ يبدو أن هذه القرارات لا تأخذ بعين الاعتبار مواطن الخلل في الجيش، خاصة في ظل تحول الجيش إلى نموذج الجيوش الصغيرة والذكية التي تعتمد على التكنولوجيا والحروب الخاطفة.
تدهور الوضع البنيوي
ويؤكد أيوب أن المواجهة الطويلة الأخيرة أظهرت تدهور الوضع البنيوي والمعنوي للجيش الإسرائيلي، وهو ما كشفه اعتراف الجيش خلال مداولات أمام محكمة العدل العليا الإسرائيلية، بخسائر فادحة في دباباته ومدرعاته، مما يوضح إصراره على وقف إطلاق النار والتوصل لصفقة بسبب حساباته العسكرية.
ويشير أيوب إلى أن الجيش كان دائما قوة متحالفة مع قوى المجتمع المدني ورأس المال وعالم الأعمال في إسرائيل، في مواجهة القوى الدينية والقومية التي يمثلها نتنياهو وائتلافه الحاكم، وكان لهذا التحالف دور في الاحتجاجات التي اجتاحت إسرائيل قبل عملية “طوفان الأقصى” والسابع من أكتوبر/تشرين الأول.
يعتقد أيوب أن الجيش الإسرائيلي يواجه تحديا غير مسبوق في تاريخه، حيث لم يسبق له أن تعرض لمثل هذا التحدي العسكري والإستراتيجي الداخلي مع الفلسطينيين، وقد أدى هذا التحدي إلى تحالف قوى المقاومة الخارجية ضد إسرائيل، مما يجعل الضغط عليها من الأطراف الأخرى أكثر صعوبة.
ويستنتج أيوب أن الوضع الحالي في إسرائيل يكشف عن أزمة إستراتيجية عميقة، في ظل استمرار نتنياهو وحكومته بدفع إسرائيل نحو الفاشية، مما قد يمثل بداية نهاية دولة إسرائيل كما كانت تُعرف سابقا.
أزمة أعمق
من جانبه، يرى مدير مكتب القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي، أن المسألة أعمق مما قاله ليبرمان، مرجعا ذلك إلى أن إسرائيل تمر بأزمة كبيرة على المستوى السياسي والمجتمعي والبنيوي، وتعاني من استقطاب حاد بين الدينيين والعلمانيين، وبروز الهويات الثانوية داخل المجتمع.
ويشير الرنتاوي إلى أن تكوين المجتمع الإسرائيلي يميل لصالح الحريديم والسفارديم على حساب النخب الأوروبية العلمانية المؤسسة للدولة، وأن تزايد دور الدين في السياسة ومؤسسات صنع القرار أدى إلى انقسام حاد، مما يجعل الحكومة الحالية ليست الوحيدة المسؤولة عن حالة الخراب.
ويعتقد الرنتاوي أن الحرب في غزة كشفت عن تآكل قدرات الردع للجيش الإسرائيلي، حيث أظهرت التسريبات والتصريحات الرسمية ضعف الجيش وإعياءه في قطاع غزة، كما أن تنامي الفاشية في إسرائيل دليل ضعف وليس قوة، مما يشير إلى انهيار وجودي محتمل.
ويشدد الرنتاوي على أن السابع من أكتوبر فجّر كل العناصر التي قد تهدم الكيان بصورته الردعية وإرثه كربيب للمنظومة الغربية، لافتا إلى الهجرة العكسية لرجال الأعمال والجماعات الغربية، مما يوضح أن إسرائيل لم تعد وطنا آمنا ومزدهرا لليهود.
ويرى مدير مكتب القدس للدراسات السياسية أن كل هذه العناصر تشير إلى ضعف وتآكل الكيان الإسرائيلي، وأن طوفان الأقصى والحرب على غزة فتحت فصلا جديدا على الساحة الدولية، وأعادت الروح إلى الشعب الفلسطيني.
وفي هذا الإطار، يشير كذلك إلى أن تزايد التظاهرات الدولية، مثل تلك التي خرجت اليوم في اليابان، دليل على التغيرات الكبيرة التي تؤكد أن المستقبل لصالح الفلسطينيين، وأن بضاعة نتنياهو لم تعد تجد من يشتريها.