صراحة نيوز- حتى وهو مسعف، لم يكن وليد الخليلي يميز في عمله بين يهودي أو عربي، وبين فلسطيني أو إسرائيلي على حد قوله، لكن قوات الاحتلال أذاقته أشد ألوان العذاب في سجن “سدي تيمان” بصحراء النقب جنوب إسرائيل.
استمرت شهرا عذابات الغزي وليد الخليلي كما رواها لصحيفة “إلباييس” الإسبانية التي تواصلت معه هاتفيا في مستقرّه الحالي في خيمة في رفح جنوبي قطاع غزة (بعيدا عن أسرته في الشمال)، بعدما أفرج عنه ونجا بأعجوبة من جلاديه.
كان وليد (35 عاما) يعتقد أن شارة رجال الإسعاف ستنقذه من براثن جيش الاحتلال عندما قبض عليه في العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي داخل بناية في مدينة غزة.
وكان وقتها قد فر إلى البناية هربا من قصف استهدفه مع مصابين كان يحاول إسعافهم، لكنه اقتيد، أسوة بآلاف آخرين، إلى معتقل “سدي تيمان” في صحراء النقب على بعد 30 كيلومترا فقط من الجدار العازل جنوب قطاع غزة، دون أدنى اعتبار لوظيفته الإنسانية.
ورغم نفيه المتكرر أي علاقة له بخطف أسرى إسرائيليين، ظل الجلادون يسومون وليد صنوف العذاب الشديد، من الصعق والضرب المبرح وصولا إلى الإغراق في الماء ثم تعريضه للهواء الشديد البرودة، كل ذلك وهو -مثله مثل بقية المعتقلين- عار إلا من مئزر يشد وسطه، ومعصوب العينين أغلب الوقت.
وقضى وليد نحو شهر في المعتقل الذي انتقدته المحكمة العليا الإسرائيلية والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، لكنه لم يغلق بعد، فقد طلب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الإبقاء عليه.
ووصف وليد السجن بأنه “مسلخ من مسالخ الموت”، مؤكدا للصحيفة الإسبانية أنه لا ينتمي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) ولا يتعاون معها، مضيفا “هذه التهمة مجرد وهم”.
هذا ما كرره أيضا على مسامع جلاديه والمحققين الذين كان بينهم -حسب أقواله- عسكريون أميركيون يتحدثون الإنجليزية، ويرتدون زيا عليه علم الولايات المتحدة، لكن ما كان جلادوه يعبؤون لكل ذلك، حسب الصحيفة.
وعن أساليب تعذيبه، قال وليد إن من أقساها كان وضعه في ثلاجة أكثر من 4 ساعات، ثم نقله إلى قاعة فارغة، حيث يُسكب عليه الماء البارد، ليُعرّض بعد ذلك لهواء مروحة قريبة جدا، وحتى ساعات متأخرة من الليل. “كان البرد شديدا للغاية” يستذكر وليد.
“لن أنسى أبدا ذلك الكابوس. كانوا يضعونني في الأصفاد لأيام كاملة. سوار حديدي حول الرأس موصول بإحدى يدي وإحدى ساقي (ليعبر التيار كامل الجسد) ثم أصعق بالكهرباء. وفي أحيان أخرى يُغطّسون رأسي في حوض ماء حتى ينقطع نفسي، أو يحرقون جلدي بأنبوب محمّى موصول بالتيار الكهربائي”. كل ذلك مصحوب بالشتائم والإهانات.
غادر وليد السجن بعد 5 جلسات استنطاق وقد فقد 22 كيلوغراما من وزنه، وليس قبل أن أثبت لسجانيه “براءته” من أي صلة بحماس. غادر وكله تصميم على استئناف عمله مسعفا، واختار أن يجري اللقاء مع “إلباييس” باسمه الكامل، رغم خشيته من الانتقام.
الجيش الإسرائيلي، ودون تكليف نفسه عناء تقديم تفاصيل، اكتفي بالقول إنه يحقق في حدوث وفيات في المعتقل السيئ السمعة، الذي قضى فيه ما لا يقل عن 36 سجينا فلسطينيا حسب صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، 3 منهم يقول وليد إنه كان شاهدا على “اغتيالهم”، لكنه اختار رواية تفاصيل استشهاد اثنين منهم فقط.
“أوثقوهما من أقدامهما وصعقوهما بالكهرباء. كانا قريبيْن مني، وكنت أسمع صراخ ألمهما، ثم استشهدا. أنزلوهما وظلا معنا يوما كاملا في الزنزانة حتى جاء الجنود وحملوا جثتيهما”، يستذكر وليد جلسة التعذيب تلك.
أما الثالث، يضيف وليد، فقد استشهد رميا بالرصاص في ساحة السجن بعد تعذيبه، لكنه لم يسمع إلا الطلقات ولم يرَ فعل الإعدام نفسه.
وفي مشهد مأساوي آخر، يروي وليد أنه نُقل إلى ساحة السجن حيث تنتشر أقفاص من حديد تحيط بها أسلاك شائكة، إضافة إلى غرف التعذيب. “كانوا يهددون بإعدامنا جميعا في ساحة السجن.. وكان الكل يعتقد أنه سيُقتل في أي لحظة”.
يقول وليد إن جراحه جراء التعذيب، من نزيف وكسور في الضلوع، لم تطبب، ولم يتلقَّ في أحسن الأحوال إلا مسكنات ألم أو ضمادة يد، إضافة إلى أقراص مهلوسة يُجبَر السجناء على تناولها.
يتذكر وليد مشاهد بالغة السريالية. في أحدها “رسموا لي سيارة إسعاف على الجدار وسألوني إن كنت أستطيع حملهم فيها إلى يحيى السنوار (رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة)، وعندما قلت إنني لا أستطيع صعقوني بالكهرباء وأوسعوني ضربا”.
وبينما يتحدث الجيش الإسرائيلي عن 4700 غزي دخلوا المعتقل، تقول بعض وسائل الإعلام إن أعداد السجناء فيه الآن باتت في حدود العشرات.