بيروت- خسر فادي الحلاق فرنه الشعبي ومصدر رزقه، بسبب الأزمة الاقتصادية الحادة التي ضربت لبنان عام 2019، ولم يكن يتوقع تأثيرها الكبير على حياته.
وبعد 25 عاما من إدارته الفرن وجذبه الزبائن من كل حدب وصوب وجد الحلاق نفسه “في المربع الأول خالي اليدين”، وفق تعبيره للجزيرة نت.
ويشكو الحلاق تحديات هائلة واجهها مع تفاقم الأزمة أجبرته على الإغلاق النهائي بعد سنوات من الكفاح، واضطر إلى “التقاعد” في المنزل، وبات ينتظر حوالة مالية من ابنه في السعودية كل شهر لتساعده على العيش الكريم.
الحوالة المالية بقيمة 500 دولار تساعد الحلاق على تغطية احتياجاته اليومية، ومن قبل كانت تساوي 750 ألف ليرة لبنانية عندما كان الدولار يعادل 1500 ليرة، أما اليوم فهي تساوي 45 مليون ليرة، إذ ارتفع سعر صرف الدولار إلى 90 ألف ليرة.
ويخوض الحلاق صراعا داخليا مع نفسه بين رغبته في عودة ابنه وخوفه إذا عاد أن يصبح عاطلا عن العمل مثل أبيه، ويقول بحسرة “أنا الآن في الـ65 من عمري وابني هو من يعيلنا، ماذا سنفعل إذا عاد؟”.
تحويلات شهرية بالدولار
تعتمد العديد من العائلات اللبنانية على التحويلات المالية من أقاربها المغتربين، وتقول ندى سليمان -وهي مغتربة تعمل في دولة أفريقية وتقضي الآن إجازتها في لبنان- إنها ترسل الأموال بانتظام إلى عائلتها.
وتوضح ندى أن هذا الدعم المالي يسهم في تغطية النفقات الأساسية، مشيرة إلى أن واجبها تجاه أفراد العائلة يحتم عليها هذا الأمر، وتأمل أن تساهم تحويلاتها في تحسين أوضاعهم ولو قليلا.
من جهته، أوضح أحمد الحاج للجزيرة نت أن ابنه يرسل إليه 700 دولار شهريا، وبالكاد يكفيه هذا المبلغ لتغطية التكاليف الأساسية والضرورية للمعيشة من طعام وشراب، مما يجعله دعما إضافيا لمصدر دخله الرئيسي.
أما محمد العلي فيتلقى من ابنته 1500 دولار شهريا، ويقول للجزيرة نت إنه يصرف هذا المبلغ في دفع إيجار المنزل وتأمين المستلزمات الأساسية، إضافة إلى تغطية بعض نفقات الترفيه، ويعتبر العلي هذا المبلغ “دخلا جيدا وليس مجرد دعم”.
الحد الأدنى للتكلفة المعيشية
ويشير أحدث تقرير صادر عن الشركة الدولية للمعلومات والإحصاءات في لبنان إلى أن تكلفة المعيشة لأسرة مكونة من 4 أفراد -والتي تشمل الحد الأدنى من الاحتياجات الضرورية فقط- قد وصلت إلى 52 مليون ليرة لبنانية شهريا (582 دولارا) في المناطق الريفية، في حين وصلت إلى 71 مليون ليرة لبنانية شهريا (794 دولارا) في المدن، دون احتساب تكاليف الرعاية الصحية.
واعتمد التقرير على أن الحد الأدنى لإيجار المنزل في القرية هو نحو 150 دولارا شهريا، في حين يصل في المدينة إلى 300 دولار شهريا وربما أكثر، وذلك تبعا للمنطقة ووضعية المسكن ومساحته.
ويبلغ الحد الأدنى لتكلفة المولدات الكهربائية شهريا 40 دولارا، كما أن الحد الأدنى لتكلفة الطعام والمواد الاستهلاكية من منظفات وغاز وغيرها يتراوح بين 250 و300 دولار شهريا.
ورغم أن مجلس الوزراء اللبناني قد أقر في تاريخ 26 مارس/آذار 2024 مرسوما يرفع بموجبه الحد الأدنى للأجور من 9 ملايين إلى 18 مليون ليرة لبنانية فإن هذه الزيادة لم تتناسب مع ارتفاع تكاليف المعيشة، مما يجعل التحويلات المالية المستمرة أكثر أهمية في الحفاظ على معيشة الأسر اللبنانية.
دعم الاقتصاد الوطني
وإضافة إلى ذلك تلعب هذه التحويلات دورا محوريا في دعم الاقتصاد الوطني، إذ قدر البنك الدولي حجم تحويلات المغتربين الوافدة إلى لبنان بـ6 مليارات دولار في العام 2023 مقارنة بـ6.4 مليارات دولار في العام 2022، ليحل بذلك لبنان في المركز الثالث إقليميا مسبوقا فقط بمصر (19.5 مليار دولار) والمغرب (11.8 مليار دولار).
ويقول الباحث المالي والاقتصادي الدكتور عماد فران إن لبنان شهد عام 2019 تدفقا كبيرا من التحويلات، وتم استخدام جزء منها لزيادة الودائع في المصارف اللبنانية وجزء آخر للاستثمارات المحلية ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، في حين تم تخصيص جزء ثالث لدعم الأسر اللبنانية.
ومع تفاقم الأزمة وانخفاض الودائع تغيرت اتجاهات التحويلات لتصبح أكثر استخداما في دعم الأسر والاستهلاك اليومي، ويرى فران أن هذا التحول أصبح جزءا أساسيا من الدورة الاقتصادية الحالية في لبنان.
ويضيف أن هذه التحويلات المالية تدخل إلى لبنان من خلال قنوات عدة، منها المصارف والشركات المرخصة، وكذلك عبر الحدود البرية والجوية، أي عند عودة المغتربين.
تعزيز القدرة الشرائية
من جانبه، يؤكد الخبير في الاقتصاد والأسواق المالية الدكتور عماد عكوش أن الأهمية الكبيرة لتحويلات المغتربين تكمن في دورها بتعزيز القدرة الشرائية وتخفيف تأثيرات التضخم، وبالتالي الحفاظ على مستوى معيشة الأسر اللبنانية.
ويقول عكوش في حديثه للجزيرة نت إن 1.5 مليون عائلة لبنانية تستفيد من هذه التحويلات، بمتوسط يصل إلى نحو 15 ألف دولار سنويا لكل عائلة، مما يساهم في دخل شهري يقدر بنحو 1250 دولارا لكل أسرة.
ويرى عكوش أن هذه التحويلات تسهم في تحسين الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية والسكن، وهي خدمات مكلفة جدا في الوقت الحالي في لبنان، خاصة بعد “دولرة” هذه الخدمات (أي دفع تكاليفها بالدولار وليس بالعملة المحلية).