جنين- بعد منتصف ليلة الثلاثاء، تم اكتشاف قوة خاصة إسرائيلية متسللة إلى حي الدبوس في مدينة جنين، وأظهرت مقاطع الفيديو المتداولة كيف تسلل أفرادها بواسطة شاحنة وبلباس مدني، مما أسفر عن اندلاع اشتباكات في عدة أحياء في المدينة، واقتحامها من عدة محاور من قبل قوات الاحتلال.
وبعد اشتباكات عنيفة خاضها المقاومون من كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس، الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي، مع عناصر قوات الاحتلال المعززة للقوات الخاصة، أعلن عن اعتقال الشاب نور الشلبي (29 عاما)، بعد محاصرة منزله والتهديد بقصفه بالصواريخ المحمولة على الكتف.
ويروي فادي الشلبي (31 عاماً) الشقيق الأكبر لنور للجزيرة نت تفاصيل اعتقال شقيقه والتنكيل به قبل نقله إلى المركبة العسكرية الإسرائيلية، ويقول “وردني اتصال من صديق يخبرني أنه ينبغي علي أن أستقبل الضيوف المنتظرين على باب منزلي، فهمت أن المقصود شقيقي نور، فهذه إحدى الطرق التي كنا نتبعها في مكالماتنا”.
ويوضح أنه خرج إلى باب المنزل، واستقبل شقيقه، وبقي حتى دخل وتأكد من عدم وجود أحد يراقبهما في الخارج، فقد جاء نور لرؤية أمه بعد أسابيع من الغياب، وأراد أن يستحم، لكن لم يمض على دخوله أكثر من 10 دقائق، حتى تفاجأ بتفجير باب المنزل واقتحامه من قِبل القوة الخاصة، بينما حاصرت قوة أخرى البناية والحارة بشكل كامل.
اعتقال وتنكيل وحشي
استمرت قوات الاحتلال بمطاردة الشلبي على مدى عام ونصف، حيث وضعته على قائمة المطلوبين، في حين تكررت مداهمة منزله وتدمير محتوياته وتهديد عائلته، لإجباره على تسليم نفسه، وبحسب عائلته، فقد هدد ضابط مخابرات الاحتلال والدته بتصفيته في حال لم يسلم نفسه، كما هدد باعتقالها للضغط عليه، وسبق أن اعتقل أولاد عمه وشقيقه فادي أكثر من مرة.
يروي فادي للجزيرة نت تفاصيل أحد الاقتحامات للمنزل، حيث كان يوم خميس، وقال الضابط لوالدته “سآتي يوم الأحد، ويجب أن تقنعي نور أن يكون في المنزل لنقوم باعتقاله، فهذا أفضل لك من أن تخسريه، وأفضل من أن نقتله”، وبالفعل عاد الضابط برفقة جنوده يوم الأحد، “ولكن بالطبع لم يجد نور، ونحن لم نقبل بتسليمه”.
ويضيف أن الاحتلال سبق أن دهم منزلهم 6 مرات، وفي كل مرة كان يعيث فيه فسادا، ويحطم محتوياته، بينما في ليلة أمس الثلاثاء، لم يكتفِ الجنود بتكسير منزل العائلة، بل خربوا ودمروا كل شي في الشقق الثلاث التي تعود له ولوالده وشقيقه، وقبل ذلك احتجزوهم جميعا في غرفة واحدة وكانوا حوالي 17 شخصا، ثم اقتادوا نور والأسلحة موجهه على رأسه، ووضعوه في غرفة أخرى برفقة والدته.
وقبل نقل نور إلى المركبة العسكرية، قاموا بالاعتداء عليه وضربه وتكسير ذراعيه أمام والدته، التي كانت تصرخ متوسلة الجنود لتركه، وقبل سحبه خارج المنزل أطلق الجنود 3 رصاصات عليه، في حين سمعت عائلته صوته وهو يصرخ ” قدمي قدمي”، مما يدلل -بحسب شقيقه- على إصابته في قدمه قبل اعتقاله.
كما اعتقلت القوة الخاصة صديق فادي من أمام المنزل، ولم يعرف حتى اللحظة الجهة التي اقتيد إليها.
يقول فادي إن أمه كانت تسمع صوت عظام نور وهي تتكسر بفعل ضرب الجنود، حيث طلبوا منه أن يمد يديه، ثم بدؤوا بضربها بأعقاب البنادق، بينما كانت أمه تصرخ “اتركوه، لا تكسروا يديه” لكنهم لم يستجيبوا لصراخها وتوسلاتها، لتدخل لاحقا في حالة سيئة جداً، واضطروا إلى نقلها للمستشفى، “لأنها انهارت تماماً من هول التعذيب الذي تعرض له نور أمام عينيها”.
ويعد هذا التعذيب جزءا مما كان يهدد به ضابط المخابرات والدة نور بشكل مستمر، حيث توعدها بحرمانها منه وقتله والتنكيل به، وتؤكد العائلة أن الأخبار الواردة إليها من هيئة الأسرى تفيد بنقل نور إلى مستشفى في الداخل لم يعرف اسمه بعد، وذلك لتعرضه للإصابة خلال اعتقاله.
المقاوم المطارد
قبل حوالي أسبوعين، تعرض نور الشلبي -المولود عام 1995- للإصابة بشظايا وكسر في الأضلاع، نتيجة قصف لمسيرة إسرائيلية في مخيم نور شمس بمدينة طولكرم شمال الضفة الغربية، ومنذ ذلك الوقت لم ير نور والدته ولم يعد إلى منزله، حتى ليلة أمس الثلاثاء.
ويذكر فادي مدى حرص شقيقه نور على نفسه، وقدرته على التخفي عن الاحتلال وأعوانه، ومستوى سرية عمله المقاوم، حيث كان حريصا على عدم ترك أي أثر وراءه، ويقول إنه استجاب لمناشدات والدته المتكررة لرؤيته، لأنها كانت شديدة القلق عليه بعد معرفتها بإصابته، ورغم أنه أخذ كافة التدابير هذه المرة أيضا، إلا أن الاحتلال تمكن من رصد تحركاته، وفاجأه بحصار القوة الخاصة المتخفية بلباس مدني.
وسبق أن اعتقل نور الشلبي 5 سنوات في سجون الاحتلال، ليخرج عام 2021، وبعد خروجه بفترة اشترى سلاحا من مصروفه الخاص والتحق بالمقاومة في مدينة جنين.
ويتهم الجيش الإسرائيلي الشلبي بتنفيذ عدة عمليات إطلاق نار على جنوده، حيث نشط في الفترة الماضية في مخيمي نور شمس وطولكرم، وشارك في التصدي للاقتحامات هناك برفقة الشهيد سعيد جابر، الذي اغتيل في أواخر يونيو/حزيران الماضي بعد قصف منزله.
وعن خصال شقيقه، يقول فادي إن نور “كان يقاتل في سبيل الله، ويرفع راية لا إله إلا الله، ويضع على رأسه دائما عبارة جند الله، حيث اختار طريق الجهاد”، ويضيف “كنا نعلم أن الثمن سيكون صعبا علينا كعائلة، لكن نحن نفخر به، ونرفع رؤوسنا بأنه ابن هذه العائلة”.
وعن علاقته بأمه يقول الشلبي إنها أودعت ابنها لله، حيث كانت في كل مرة تراه أو تتحدث معه تقول له “أنت وديعة الله، والله أحن عليك منا”.
ويضيف أن العائلة كانت تتوقع استهداف نور، وفي كل مرة يسمعون فيها عن عمليات قصف أو اغتيال للمقاومين كانوا يخشون أن يكون بينهم، “اليوم هو بيد الاحتلال، وهذه اليد لا ترحم، خوفنا عليه كبير، خصوصا أنهم أبلغونا بأننا لن نراه مرة أخرى لحظة اعتقاله”، يقول شقيقه فادي.
وكان المقاوم الشلبي بدأ أولى عملياته ضد جنود الاحتلال عام 2016، بعد أن اشتبك معهم على حاجز الجلمة العسكري، وأصيب خلال الاشتباك بـ9 رصاصات، لكنه تمكن من الانسحاب، واعتقل بعدها بأشهر، وأمضى حكما بالسجن 5 سنوات.
وتعرف مدينة جنين بشكل خاص حادثة اشتباكه مع قوة إسرائيلية حاولت اعتقاله في أحد شوارع المدينة العام الماضي، إذ تمكن من الهرب بعد تطويقه وهو داخل سيارته، وحجزت قوات الاحتلال سيارته وبعض أغراضه الشخصية التي كانت بداخلها.
وقال نادي الأسير الفلسطيني في بيان له إن قوات الاحتلال حاصرت عدة منازل في الحي الشرقي والمراح، واعتقلت الشاب نور الشلبي المطارد منذ عدة شهور، في حين اعتقلت قوات خاصة تسللت بشاحنة تحمل لوحة تسجيل فلسطينية، كلا من الشاب خليل أبو جمهور الذي كان يستقل دراجة نارية، والشاب أسامة الكامل من داخل منزل عائلة الشلبي.