أخبار

“سؤال المليار”.. هل نحن على حافة حرب عالمية ثالثة؟

[ad_1]

#سواليف

يعيش معظمنا اليوم مُطمئني البال، أن بلادهم لن تتعرض للغزو ليلاً بينما هم نيام، فالعالم لم يعد جيوشاً وقبائل تُقاتل بعضُها بعضاً متى شاءت، والسلامُ ليس مجردَ تأجيل مؤقت للحرب، كما كان في الماضي. تراجعت #الفوضى إلى حد بعيد، وآخر حرب كبرى مضى عليها الآن نحو 80 عاماً، لكن مع ذلك، عالمنا ليس آمناً تماماً، كما نأمل.

النزعة إلى العنف، التوسع، السيطرة، واستخدامِ #القوة.. سلوك لم يفارق الطبيعة البشرية منذ القدم. جرّب أن تبحث في صفحات التاريخ عن عام واحد فقط من دون حروب.. لن تجد.

في أيامنا هذه، وصلت سخونة التوترات العالمية إلى درجة التحذير من #صراع لا سابق له بين القوى العظمى. آلاف الرؤوس النووية على أهبة الاستعداد، والبشرية تسير نحو حتفها.

  • ZRVrE

روسيا تغزو أوكرانيا، وبوتين يحلم باستعادة أمجاد الإمبراطورية. #الحرب على #غزة تخلط الأوراق في #الشرق_الأوسط، والتصعيد بين إيران وإسرائيل يصل مستويات غير مسبوقة. توترات في بحر الصين الجنوبي، وبكين تترقب اللحظة المناسبة لابتلاع تايوان. الزر النووي جاهز في مكتب كيم جونج أون. الكرملين يلوّح بالسلاح النووي، والبيت الأبيض يُحذّر من نهاية العالم.

فهل نحن فعلاً على حافة #حرب_عالمية_ثالثة؟

في الحلقة الثالثة من برنامج “سؤال المليار” على “الشرق بودكاست”، استضافت ميراشا غازي الضابط السابق في الاستخبارات العسكرية البريطانية فيليب إنجرام، ورئيس مركز الدراسات العالمية والعلاقات الدولية في موسكو فاديم كوزيولين.

في حين تحتل #الحرب_الإسرائيلية على غزة صدارة الأخبار في الوقت الراهن، هناك على الجبهة الشرقية لأوروبا حرب خنادق ومسيّرات مستمرة في أوكرانيا لأكثر من عامين، حيث كل الأنظار تترقب نصراً مؤزراً أو هزيمة نكراء للقيصر الروسي.

وفي شبه الجزيرة الكورية، تُثابر بيونج يانج على إجراء #التجارب_النووية وإطلاق الصواريخ الباليستية، مما يثير فزع جيرانها.

وفي جزء آخر من القارة الآسيوية، يدور نزاع بين باكستان والهند على الحدود المشتركة، وتشتبك الأخيرة مع الصين حول خلافات حدودية أيضاً. التنين الصيني يريد مكانة أكبر تليق بحجمه وقوته، والتقديرات الأميركية تُرجّح غزو تايوان عام 2027.

في إفريقيا، تنشط الجيوش والجماعات “المتطرفة”، والمرتزقة والمليشيات وقطاع الطرق والقراصنة. قدرُ القارة السمراء أن تكون ضحية أطماع الأمم الأخرى.. هناك أيضاً، تتنافس الصين وروسيا والولايات المتحدة على القواعد والنفوذ. والأوروبيون، المنبوذون في إفريقيا، يبحثون عن أي موطئ قدم على أراضيها.

هذه النزاعات ليست إلا جزءاً يسيراً مما يجري في عالم مشتعل بالصراعات ومليء بالأسلحة، وهي، كما وصفتها مجلة “نيوزويك” الأميركية: ليست حرباً شاملة، بل حرب لا مركزية بجبهات قتال غير متصلة، تمتد عبر قارات العالم، وتُخاض بطرق “هجينة”، بالمرتزقة، والتجسس، والمسيّرات، والصواريخ الباليستية، وحملات التضليل، والتدخل السياسي، والحرب السيبرانية.
أوقات مقلقة

في تعليقه لـ” #سؤال_المليار ” على المشهد العسكري العالمي، قال فيليب إنجرام “سأخرجُ كرتي البلورية حتى أتمكن من النظر إلى المستقبل. المشهد الذي لدينا في الوقت الحالي هو حربٌ كبرى في أوروبا بين روسيا وأوكرانيا.

وأضاف “في الشرق الأوسط لدينا وضعٌ متدهور بين إسرائيل وحماس، لكن الأمر لا يقتصر عليهما، فهناك أطراف أخرى تُشارك في الصراع، كالميليشيات المدعومة من إيران في سوريا والعراق، وشهدنا بالفعل هجمات على الأردن، إضافة إلى تورط الحوثيين في اليمن. كما نشهد زيادة في عدم الاستقرار جنوب شرق آسيا بسبب السياسة الصينية العدوانية تجاه تايوان، والأمر هنا أيضاً لا يقتصر فقط على تايوان، بل يتعلق أيضاً بجزر في بحر الصين الجنوبي”.

كما تحدّث إنجرام عن الهند والصين “اللذين في حالة صراع شبه مستمر في جبال الهملايا، حيث تتصادم قواتهما بشكل شبه أسبوعي، ليس بالأسلحة العسكرية، لكن بالأيدي والعصي. وهما يخوضان معارك جسدية، حول ترسيم الحدود”.

وهكذا إذن، العالم الذي يراه الخبير العسكري البريطاني غير مستقر للغاية، إضافة إلى أننا “لا نعرف ما الذي سيتغير العام القادم مع رئيس جديد في الولايات المتحدة، وقادة جدد في الاتحاد الأوروبي وأماكن أخرى. نحن نعيش في أوقات سياسية وعسكرية غير مستقرة، وربما أفضل وصف للوضع الذي نشهده اليوم هو تصاعد الاضطراب السياسي أو حالة عدم اليقين، لا سيما مع احتمالية أن يصبح دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة، وزيادة الانعزالية بين الدول، والتشققات في التجمعات الدولية مثل الاتحاد الأوروبي”.

لكن إلى أي مدى نقترب بالفعل من حرب عالمية جديدة كما يرى إنجرام؟ “حسناً، لا أعتقد أننا قريبون جداً من الحرب العالمية الثالثة، لكن في الوقت نفسه كوني شاركت في هذه اللعبة، سواء في الجيش أو من خلال التحليلات الجيوسياسية الدولية لأكثر من 40 عاماً، هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها ليس مساراً واحداً فحسب، لكن عدة مسارات واضحة نحو صراع عالمي أوسع، ومع ذلك، هناك الكثير من الأمور التي يجب أن تحدث قبل أن نصل إلى سيناريو الحرب العالمية الثالثة”.

بدوره، يرى فاديم كوزيولين، فرصة لحدوث صراع عالمي، قائلاً “لا أستطيع التنبؤ بالمستقبل، لكن أعتقد أن هناك فرصة لوقوع حرب عالمية ثالثة نظراً لوجود العديد من النزاعات التي أشك في القدرة على تخمين عددها، فيمكن أن يكون لدينا من 30 إلى 50 نزاعاً في أي لحظة عبر تاريخنا. هذا هو الوضع العالمي، وأسباب هذه النزاعات كثيرة، كالخلافات الإقليمية أو المنافسة على الموارد المعدنية والاضطرابات والنزاعات العقائدية. وبالطبع الصراع على السلطة داخل الحدود الوطنية أو عالمياً بين القوى العظمى”.
تصادم روسيا و”الناتو”

العالم على فوهة بركان، والإشارات إلى الحرب الكبرى في أعلى مستوى لها، إلا أن أكثر الصراعات توتراً وقابلية للانفجار هو الصراع الروسي الغربي في أوكرانيا.

دول الحلف الأطلسي درّبت الجيش الأوكراني ومدّته بالسلاح والعتاد، والمسيّرات الأوكرانية وصلت موسكو وكادت تدقُّ أبواب الكرملين. لم ترسل الدول الأوروبية جيوشها إلى الحرب. لا يرغب أحد بتوسيع خارطة النزاع، إلا أن سيّد الكرملين غاضب، والجميع يخشون غضبه، وطموحاته.

في مايو الفائت، أثار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجدل عندما تحدّث عن عدم استبعاد إرسال قوات برية غربية إلى أوكرانيا، وكانت تلك التصريحات الأولى التي يتحدث فيها زعيم أوروبي عن إمكانية الانخراط فعلياً في الحرب إلى جانب كييف، إلا أن الرد الروسي لم يتأخر. بوتين يُذكّر ماكرون بمصير القوات التي حاولت عبر التاريخ غزو بلاده.

يبدو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم يخض في مشاورات معمقة مع حلفائه قبل الحديث عن احتمال إرسال قوات غربية للقتال إلى جانب الأوكرانيين ضد الروس.

وفي يناير الماضي، أثار رئيس أركان الجيش البريطاني الجنرال باتريك ساندرز، الدهشة، عندما قال إن على مواطني المملكة المتحدة الاستعداد لتشكيل “جيش مواطن” في حال نشوب حرب بين “الناتو” وروسيا.

أعاد حديث ساندرز إلى الأذهان سياسات التجنيد الإجباري خلال الحربين العالميتين الأولى الثانية، لكن سرعان ما تراجع داونينج ستريت عن تصريحات الوزير.

كوزيولين الذي يعمل أيضاً باحثاً في الأكاديمية الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية الروسية يستبعد تصادم روسيا والناتو، موضحاً وجهة نظره: “في الواقع، درس الخبراء الروس الحرب قبل الهجوم على أوكرانيا عام 2022، وتحديداً عندما بدأ الناتو بالتوجه نحو حدود روسيا، منذ 1991، وعلى مدى سبع موجات متتالية”.

وتابع “بالطبع يمكننا القول إن روسيا اعترفت بهذا الانتشار للحلف، لكن كانت هناك خطوط حمراء، تم تجاوزها عندما دُعيت أوكرانيا لتصبح عضواً في الناتو، ومن ثم العمل على تغيير عقلية الأوكرانيين، وتحويلهم من أصدقاء روسيا إلى أعدائها، وهذا يذكرنا بالغزو النازي. كما شهدنا عسكرة أوكرانيا، وظهر نَفَسٌ مُعادٍ للروس بين السكان، فُرض بالقوة، ولذلك أدركت روسيا خطورة الوضع وعدم قبوله، وأعلنت موقفها رسمياً متسلحة بحجج كافية ومقنعة”.

مع ذلك، لا يعتقد كوزيولين بوجود فرصة حالياً لحرب شاملة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، فجميع الخبراء الروس، بما في ذلك العسكريين، بحسب قوله، يُدركون أنه بمجرد بدء هذا الصراع، سيتحول فوراً إلى حرب نووية، لأن ميزانيةَ الدفاع العسكري لروسيا أقل بـ15 مرة عن مجموع دول الناتو، والإمكانيات العسكرية لروسيا، أيضاً أقل بنفس القدر، ولهذا بالطبع، يمكننا منطقياً تخيل ما يمكن أن يحدث. ومن واجب العسكريين أن يأخذوا جميع المخاطر في الاعتبار، وهو ما يفعلونه، حيث يضعون سيناريوهات أي حالات مجنونة، قد تحدث أحياناً”.

ويرى الخبير الروسي أن السياسيين، لا العسكريين، هم من يحددون السياسة الوطنية، قائلاً “أنا متأكد أنهم يدركون بوضوح الخطوط الحمراء، ولديهم اتصالات بين جميع الأطراف، وخطوط ساخنة للتواصل بين العسكريين وبين السياسيين. لذلك، المخاطر حقاً مرتفعة للغاية، ولهذا لا أعتقد أن الصراع سيحدث”.

أين تقف طموحات موسكو؟

أشعلت روسيا حروباً أكثر من أي قوة معاصرة عبر التاريخ، وبين منتصف القرن 16 ومطلع القرن 20، كانت تتوسع سنوياً في مساحات أكبر من إجمالي مساحة العديد من الدول الأوروبية (بمعدل 100 ألف كيلو متر مربع سنوياً)، فمن بطرس الأكبر إلى فلاديمير بوتين تغيرت الظروف كثيراً، إلا أن روسيا المنبعثة من جديد بعد 33 عاماً من انهيار الاتحاد السوفيتي، تبدو بقيادة قيصرها القوي، متعطشة لاستعادة أمجاد الإمبراطورية.

فيليب إنجرام لا يرى أن طموحات روسيا تقف عند أوكرانيا فقط: “دائماً ما حاول الروس عبر تاريخهم التوسع في الأراضي، لذلك أعتقد أنهم سيعودون في وقت ما مستقبلاً، خاصة إذا استطاعوا خلق مزيد من الانقسامات السياسية بين المنظمات الدولية في الغرب، ومحاولة اقتحام بؤر جديدة، سواء بالسيطرة على جزء آخر من أوكرانيا أو الدخولِ في معركة في ترانسنستريا مثلاً، وفي صيغة أقل احتمالاً، هجوم على دول البلطيق، وهي أعضاء في الناتو”.

ورأى إنجرام، أنه “إذا فازت روسيا في أوكرانيا، ستتمكن من الاحتفاظ بالأراضي التي احتلتها حتى الآن، وهي دونباس والقرم. ما سنراه بعد ذلك هو ستار حديدي ضخم يمتد من شمال النرويج إلى جنوب تركيا، ثم ستقوم روسيا بزيادة إنفاقها الدفاعي أكثر فأكثر لتحديث جيشها، وتعلم الدروس من أخطائها في أوكرانيا، وتعزيز قواتها المسلحة وبناء ائتلافاتها وتحالفاتها مع الدول ذات التفكير المماثل، وأخصص الدول التي تستمر فيها نفسُ الأجيال بالحكم، فرئاسة فلاديمير بوتين ليست محددَ المدة. وكذلك الحال بالنسبة لشي جين بينج في الصين، وخامنئي في إيران، وكيم جونج أون في كوريا الشمالية. لذلك سنرى تحالفاً طويلاً لهذه الدول بحيث يشكلون تحالفاً عسكرياً، سواء كان رسمياً أو غيرَ رسمي”.

وتابع “هكذا، ستواصل روسيا سياستِها التوسعية، سواء تحت قيادة فلاديمير بوتين أو أي شخص يخلفه في المستقبل. وفي الوقت نفسه، سيتعين على الغرب البدء في زيادة إنفاقه. في الوقت الحالي، يصر الناتو على 2% من الناتج المحلي الإجمالي لأعضاء الحلف، بينما الكثير من الدول لا تفعل ذلك. وقد أعلنت المملكة المتحدة أنها سترفع نسبتها إلى 2.5%، بينما تُعد الولايات المتحدة المساهم الأكبر. وإذا عدنا إلى فترة الحرب الباردة، نجد أن نسبة الناتج المحلي الإجمالي التي تنفق على الدفاع 6 أو 7%، ولذلك أتوقع أن نشهد مستقبلاً زيادةً هائلة في الإنفاق على الدفاع”.
“مهمة الصين العظيمة”

تَعتبر الصين تايوان أرضاً تابعة لها، بينما ترى تايوان نفسها دولة مستقلة، لها دستورها وقادتها المنتخبون ديمقراطياً، وتقول حكومتها المدعومة من الغرب، إن شعبها وحدَه من يقرر مستقبله.

في الآونة الأخيرة أجرت بكين مناورات عسكرية تُمثل محاكاة لغزو الجزيرة البالغ مساحتُها 36 ألف كيلو متر مربع، بما يشمل حصاراً بحرياً وجوياً، وهجمات برمائية، وتقديرات الاستخبارات الأميركية تُشير إلى أن الصين ستغزو تايوان بحلول عام 2027.

وهدّد المتحدث باسم الخارجية الصينية وانج ونبين، الجار الصغير، قائلاً: “جميع الأعمال الانفصالية التايوانية ستواجه هجوماً مباشراً من جانب 1.4 مليار مواطن صيني. ستتحطم رؤوس قوى استقلال تايوان، وستسيل دماؤها عندما ستصطدم، بمهمة الصين العظيمة لتحقيق التوحيد الكامل”.

ورغم التحديات الاقتصادية التي تواجهها، تقوم الصين ببناء ترسانتها العسكرية والنووية على نطاق لم تشهده منذ الحرب العالمية الثانية، فقد زادت ميزانية الدفاع الرسمية بنسبة 16% خلال السنوات الأخيرة إلى أكثر من 223 مليار دولار، وفق شهادة للأدميرال الأميركي جون أكويلينو، قائد القيادة الأميركية للمحيط الهادئ.

تايوان وبحر الصين الجنوبي هما مسرحان محتملان لوقوع صدام بين الصين والولايات المتحدة.

نصائح كيسنجر

الدبلوماسي الأميركي الراحل هنري كيسنجر، الذي كان أول مسؤول من الولايات المتحدة يزور الصين الشيوعية عام 1971، حاملاً على عاتقه مهمة “كسر الجليد” في علاقات البلدين، زارها آخر مرة العام الماضي قبل رحيله بأشهر عن عمر ناهز المئة.

في نفس الفترة، حذّر كيسنجر خلال مقابلة مع مجلة The Economist البريطانية، من أن ما يفصل العالم عن الصدام بين واشنطن وبكين هو أقل من عقد، مقترحاً عدة أفكار لتفادي نشوب حرب عالمية ثالثة.

ورأى أن مصير البشرية يتوقف على مدى استعداد الولايات المتحدة والصين للتعايش، معتبراً أن عليهما تعلّم ذلك، والتوقف عن الاعتقاد بأن الآخر يُمثل خطراً استراتيجياً عليه، وإلا فإن العالم، بحسب رأيه، سيواجه صداماً بين القوتين العظمتين ما يفصلنا عن ذلك هو أقل من 10 سنوات.

وقال كيسنجر: “نقطة البداية لتجنب الحرب هي تحليل القلق المتزايد من الصين، فالعديد من مفكريها يعتقدون أن أميركا على منحدر، وبالتالي، فإنهم وفقاً للتطور التاريخي سوف يحلون محلنا. وعلى الأميركيين كذلك عدم إساءة تفسير طموحات الصين، فثمة من هم مقتنعون بأن بكين تُريد الهيمنة على العالم، لكن الحقيقة هي أن الصينيين يُريدون أن يكونوا أقوياء، لكنهم لا يتوقون للهيمنة على العالم بالمعنى الهتلري فذلك لا يتماشى مع تفكيرهم”.

أجرى وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، مقابلته المطولة الأخيرة مع “بلومبرغ” قبل وفاته بـ5 أشهر، بعدما أتمّ 100 عام، تاركاً خلفه إرثاً سياسياً كبيراً.

ليس كيسنجر فقط من توقع أن تكون الحرب العالمية قريبة، فقد أظهر استبيان أجراه مركز YouGov البريطاني للأبحاث وتحليل البيانات، أن 61% من الأميركيين يعتقدون أن الحرب العالمية الثالثة ستندلع خلال السنوات الخمس أو العشر القادمة.
“سيناريوهات الحرب”

ليس التاريخ إلا حكاية صعود إمبراطوريات وسقوط إمبراطوريات.. لا يحدث هذا دائماً في الحروب، إلا أنها قد تكون العامل الحاسم في بعض الأحيان.

خلال القرون الماضية، وقعت صراعات كثيرة بين الإمبراطوريات والقوى الاستعمارية، وخلال النصف الأول من القرن الماضي عاش العالم كابوس حربين عالميتين، أزهقتا معاً أرواح 100 مليون إنسان على الأقل، في الأولى، شكّل اغتيال الصرب لوليّ عهد المملكة النمساوية – المجرية بالعاصمة سراييفو عام 1914، لحظة فارقة في تاريخ البشرية، فما إن اندلعت شرارة القتال، حتى اجتذبت إليها دولاً أخرى.

ومع نهاية الحرب في عام 1918، سقطت 4 سلالات إمبراطورية عظمى في ألمانيا، وروسيا، والنمسا، وتركيا.

أما الحرب العالمية الثانية، بدأت كصراع إقليمي في آسيا، حينما غزت اليابان إقليم منشوريا الصيني، تلا ذلك صراع آخر منفصل في أوروبا، انطلق بغزو ألمانيا لبولندا، ثم انخرطت الولايات المتحدة في القتال بعد تعرض أسطولها في قاعدة بيرل هاربر بالمحيط الهادئ لهجوم ياباني.

وانتهت الحرب بهزيمة ألمانيا النازية والإمبراطورية اليابانية عام 1945.

ورغم طبيعة الصراع الطويلة والمدمرة التي أودت بحياة عشرات الملايين، إلا أن 77% من الناس في معسكر الحلفاء أيدوا خيار القتال آنذاك، لاعتقادهم أن استخدام العنف سيحول دون وقوع مزيد من العنف.

وإذا ما اندلعت حرب عالمية ثالثة، قد تكون شرارتها شيئاً صغيراً جداً أو شيئاً كبيراً بحسب إنجرام، لافتاً إلى أن الحرب العالمية الأولى تسببت فيها رصاصة أصابت رجلاً على ظهر سيارة تمر عبر أحد الجسور في سراييفو.

لكن، كيف ستختلف أي حرب كونية جديدة عن سابقتيها؟ يعتقد ضابط الاستخبارات البريطاني السابق، أن ما قد تصبح عليه الحرب العالمية الثالثة، عبارة عن سلسلة من النزاعات الإقليمية التي تتصل في ما بينها.

وتابع “لن يكون هناك هدفٌ محدد لأي معتدي ضمنَها، كما رأينا في الحربين العالميتين الأولى والثانية، لكن هذا الانخراط سيتطلب من الدول الأخرى الانتقال إلى وضعية حربية كاملة للتعامل معه. بالتأكيد، ستحتاج بريطانيا والولايات المتحدة وأوروبا وبلدانُ حلف الأطلسي إلى الانتقال لوضعية حربية كاملة، لأن لديها مصالح في جميع المناطق، بينما ستُركز العديد من الدول الأخرى على ما يحدث داخل أراضيها فقط”.

ورأى إنجرام، أن ما قد يحدث هو “حرب شاملة”، وهذه الحرب كما يقول “تقع عندما تُحوّل دولة اقتصادها لدعم العمليات العسكرية. لذلك، سنجد أن الصناعة ستتحول، بدلاً من إنتاج السلع المحلية، إلى إنتاج الذخائر أو المركبات العسكرية. كما ستكون الاتصالات تحت سيطرة شديدة من الحكومات، لضمان انتشار الرسائل التي ترغب بها فقط، وسيُصبح التجنيد إلزامياً على السكان. هذا هو الوضع عندما تكون البلاد في حالة الحرب الشاملة. كل شيء يتمركز حول توفير الموارد للصراع، سواء كان الأفراد أو غيُ ذلك”.

وقد تكون للحرب العالمية الثالثة عدة وجوه مختلفة على ما ذكر إنجرام لبرنامج “سؤال المليار”، كسلسلة من الصراعات الإقليمية الكبرى في أوروبا مثلاً، انطلاقاً من الحرب الروسية على أوكرانيا، أو في الشرق الأوسط، بتحريك من إيران أو إحدى الجماعات المدعومة منها ضد دول عربية أخرى يدعمها الغرب. كما من الممكن أن تُحفّز الصراعات جنوب شرق آسيا الصين لإعادة ضم تايوان مرة أخرى، مما سيكون له تداعيات كبرى.

وأضاف الضابط البريطاني السابق “الفيلسوف الصيني العظيم سون تزو، قال في كتابه (فن الحرب)، خلال القرن الـ6 قبل الميلاد، إن كل الحروب هي خداع، وكل خداع هو حرب. وفي الحرب العالمية الثانية، استُخدم هذا المبدأ بشكل واسع ومتكرر وكان له تأثير كبير. ويُستخدم اليوم في الصراعات الإقليمية. كما سيكون جزءاً مهماً من أي صراعات مستقبلية، التي أعتقد أنها ستبدأ بشكل تقليدي باستخدام القوات البرية والبحرية والجوية”
سباق التكنولوجيا العسكرية

أما فاديم كوزيولين رئيس مركز الدراسات العالمية والعلاقات الدولية في موسكو، فيعتقد أن التنافس التكنولوجي قد يكون مقدمة لصراع أوسع.

وقال “لدينا العديد من الاحتمالات، مثل الحروب السيبرانية مثلاً. يمكن أن تكون بداية عرضية للحرب، وقد تُحرض أي جهة ما طرفاً ثالثاً على الاستجابة بواسطة الوسائل العسكرية، وأعلنت بالفعل دول عديدة أن الصراع السيبراني قد يؤدي إلى استجابة بواسطة الوسائل العسكرية. بالطبع لدينا أيضاً الذكاء الاصطناعي الذي يتطور وفقاً لقوانينه الخاصة، والتي لا يعرفها البشر جيداً، إذ أننا لا نتعامل معه، بل يتطور بمفرده، ونحن نحاول في روسيا أن لا نكون آخر من يحصل على هذه التقنية الحديثة، لذلك يمكن القول إنه نوع من التفوق عندما تُسيطر التكنولوجيا على البشر، وتقرر ما الذي يتم قبوله وكيفية الرد”.

واعتبر كوزيولين، أنه بصرف النظر عن أسباب النزاع، هناك بعض الأمور التي لا يمكننا التنبؤ بها، وهي مرتبطة بشكل رئيسي بالتقنيات الجديدة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، وتابع “حتى النزاعات الحالية ليست مشابهة للحروب السابقة، لأنها تشمل الحروب السيبرانية والحروب المعلوماتية، إنها منطقة متعددةُ النزاعات غيرُ معلنة رسمياً، لكنها مستمرة بشكل دائم”.

كما قد تتفرّد الحرب العالمية الثالثة، في حال وقعت، وفق الخبير الروسي، بظهور الأسلحة ذاتية القيادة، وهو “تأثير جديد للتحكم الذاتي في مناطق الحرب، بحيث تستخدم العديد من هذه الأسلحة الصغيرة من قبل المتصارعين، وهي رخيصة نسبياً، وفعالة للغاية، وتُستخدم بشكل رئيسي في الجو، لكن ينبغي لنا أن نتوقع قدومها إلى الأرض، وأعتقد أنه في غضون عقد سيتم توزيعها بشكل جماعي بالآلاف على الجيوش، وسيُشكّل هذا صفحة جديدة في تاريخ الحروب حين تُقاتل الآليات ضد بعضها البعض، هذا ما قد تبدو عليه الحرب العالمية الثالثة”.
رؤوس نووية على أهبة الاستعداد

الأكثر رعباً من فكرة الحرب العالمية الثالثة هو الأسلحة التي قد تُستخدم فيها، إذ ارتفعت الأصوات المحذرة من مواجهة مدمرة بين الدول النووية.

أشهر قليلة مضت على الغزو الروسي لأوكرانيا كانت كفيلة بتصعيد التوتر إلى درجة التلويح بالأسلحة النووية. بوتين يُهدد الناتو، إذا ما انخرط في القتال، وفي الأمس القريب، اتهم الغرب خلال خطاب تنصيبه رئيساً، بالسعي لهزيمة روسيا وتدميرها، متوعداً بحماية بلاده، حتى لو اضطرت إلى استخدام أسلحتها النووية.

رسالة الرئيس الأميركي للزعيم الروسي كانت واضحة “Don’t.. Don’t.. Don’t – لا تستخدم السلاح النووي”.. كررها جو بايدن 3 مرات في مقابلة مع برنامج “60 دقيقة”، وقال إن “الحرب الأوكرانية هي الأزمة الأخطر منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962″، محذراً من مصير سمّاه ” هرمجدون” (Armageddon)، وهي، أسطورة توراتية تنبأت بـ”نهاية العالم”.

قد يؤدي حدث صغير إلى اندلاع صراع نووي كبير على غرار ما كاد أن يقع في كوبا مطلع الستينات عندما نشر الاتحاد السوفيتي صواريخ نووية موجهة نحو الولايات المتحدة.. فما الذي يمنع تكرار ذلك؟

قال فاديم كوزيولين “يمكننا أن نتذكر أزمة كوبا عام 1962، عندما كنا قريبين جداً من التصادم، وقد وجدوا آنذاك طريقة لتجنب الصراع. كانت المخاطر مرتفعة جدًا في ذلك الوقت. يمكنني تذكيركم بأن صواريخنا النووية كانت موجودة في كوبا، وموجهة نحو الولايات المتحدة، وفي الواقع كان لدى البنتاجون سيناريو لتدمير الجزيرة الكوبية تماماً مع سكانها والصواريخ النووية. بالطبع، كان هناك مخاطر من أن الروس سيردون بضربة نووية وكانوا مستعدين لذلك، لكن السياسيين أظهروا حكمة عالية ولم يحدث الصراع”.

وأضاف “أعتقد أن لدينا اليوم ما يكفي من الحكمة لدى الجانبين، إذ يكفي فقط فهمُ النتائج المحتملة لصراع بكل هذه القوة العسكرية. بالطبع، تزداد المخاطر كلما تم تطوير تكنولوجيا جديدة. كما يمكننا التحدث عن سباق التسلح، حيث ينمو تمويل الأبحاث العسكرية بسرعة أكبر من ميزانيات الجيوش بشكل عام”.
كيم جونج أون الأكثر إثارة للقلق

قد يتساءل المرء عن دور الحكمة فعلاً في عالمنا اليوم، بينما يطل أحد الزعماء بين الفينة والأخرى مهدداً بضغط الزر النووي الموجود على مكتبه. قلق إنجرام يأتي من شبه الجزيرة الكورية “كيم جونج أون هو الأكثر إثارة للقلق. إنه غير متوقع. يُجري تدريبات على إطلاق الصواريخ وكل شيء آخر. إنه خارج عن الواقع، والتأثير الحقيقي الوحيد الذي يُمارس عليه حالياً من خلال الزعيم الصيني. نحن نعتمد على شي جين بينج للحفاظ على السيطرة الصارمة على الزر النووي لكيم جونج أون، لكني لا أعتقد أن أي شخص سيكون لديه السيطرة الصارمة على ذلك”.

وتابع ضابط الاستخبارات البريطاني السابق “ثم لدينا دول نووية أخرى، مثل الهند وباكستان، والتي دائماً ما تكون هناك توترات بينهما. ونشتبه بأن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية، لكن لم يتم تأكيد ذلك رسمياً”.

وبينما رأى أن فلاديمير بوتين ملتزم فيما يتعلق بالقضايا النووية، اعتبر إنجرام أن وجود أفراد لا يلتزمون بقواعد المجتمع الدولي قد يؤدي إلى “سيناريو مرعب”، قائلاً “يمكن لكيم جونج أون الاعتقاد بسهولة أن لديه فرصة للتعامل مع التهديد الموجود وبدء إطلاق الصواريخ النووية، لا سيما أن صواريخه أصبحت الآن دقيقة جداً وفعالة للغاية. إذا حدث ذلك، يمكن أن يكون محفزاً بسهولة لتبادل نووي أوسع. حينها لن نحتاج إلى القلق بشأن الحرب، لأننا لن نكون موجودين أصلاً”.

وأضاف “منذ الحرب العالمية الثانية بين الغرب والشرق، انتشرت العقيدة الرهيبة المسماة (التدمير المتبادل)، ولهذا السبب تملك المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وفرنسا، وروسيا، والصين ترسانة نووية تحملها الغواصات عبر البحار والمحيطات، مع القدرة على استهداف البلدان على مدار 24 ساعة في اليوم، و7 أيام في الأسبوع، وطوال 365 يوماً في السنة”.

وهذا التهديد بالقدرة على التدمير المتبادل، أبقى على السلام، بشكل ملتوي منذ الحرب العالمية الثانية، وفق اعتقاد إنجرام.
“ساعة القيامة”

في أربعينيات القرن الماضي، أدخل العالم الأميركي روبرت أوبنهايمر الكوكب إلى العصر النووي، ما عجّل بنهاية الحرب العالمية الثانية، لكن على حساب مئات آلاف اليابانيين الأبرياء. السلاح المدمر جعل أوبنهايمر يشعر بالندم الشديد، ليقضي بقية حياته ناشطاً ضد انتشار الأسلحة النووية.

أما اليوم، تمتلك 9 تسع دول أكثر من 12 ألف رأس نووي، نصفها تقريباً لدى روسيا وحدها، وتستضيف 6 دول أخرى بعض هذه الرؤوس، التي تُعد أقوى بمرات عدة من تلك التي ألقييت على هيروشيما وناكازاكي، إذ بإمكان سلاح نووي واحد فقط التسبب بفناء نحو 600 ألف شخص في مدينة مثل نيويورك خلال دقائق.

وفي كتاب حديث بعنوان “الحرب النووية: سيناريو” (Nuclear War: A Scenario)، رسمت الصحافية الأميركية آني جاكوبسن، بناء على وثائق ومقابلات، صورةً تخيلية للشكل الذي سيكون عليه الصراع النووي المحتمل، وفي خلاصته تقول: “خلال 72 دقيقة ستتمكن 3 دول مسلحة نووياً من قتل مليارات البشر، بينما سيبقى الباقون يتضورون جوعاً على أرض مسمومة، حيث لم تعد الشمس تشرق ولا الغذاء ينمو”.

مع بداية الحرب الباردة في عام 1947، وارتفاع مخاطر المواجهة النووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، أنشأت جمعية علماء الذرة الأميركية مؤشراً مجازياً أطلقت عليه اسم “ساعة القيامة”، ضُبطت عند 7 دقائق قبل منتصف الليل، لتحديد مدى قرب العالم من الإبادة النووية.

لطالما كانت القنبلة النووية هدفاً يسعى كثير من الدول لنيله، وشهد العالم تجارب عدة لتطوير برامج نووية غير سلمية، نجح بعضها في حين قضي على أخرى في مهدها.

وفي مطلع عام 2024، أعيد ضبط الساعة عند 90 ثانية قبل منتصف الليل، في إشارة مباشرة إلى اقتراب المخاطر النووية الوجودية التي تهدد الأرض وسكانها.

وكاد العالم أن يكتب نهايته بيديه عام 1983، عندما أعطت منظومة الإنذار السوفيتي المبكر بلاغاً كاذباً بهجوم 5 صواريخ أميركية، ما افترض رداً انتقامياً بشكل فوري، إلا أن حكمة الكولونيل الروسي ستانيسلاف بيتروف دفعته إلى تجاهل الإنذار، ليجنّب العالم آنذاك كارثة كبرى.

الولايات المتحدة هي الأخرى لديها نظام إنذار مبكر يضع الرئيس الأميركي ووزير دفاعه أمام 6 دقائق فقط لإطلاق الرد الانتقامي.
سلاح السلام

مع ذلك.. من المفارقات في الآراء حول الأسلحة النووية، اعتقاد البعض أن لا شيء يجعل العالم أكثر سلاماً من امتلاك أقوى سلاح عرفه الإنسان، ففي أي صراع نووي لن يكون هناك فائزون، بل فقط خاسرون من جميع الأطراف، كما يرى كوزيولين.

وشرح الخبير الروسي وجهة نظره بأن “الكثير من الخبراء يعتقدون أن الأسلحة النووية تحمي العالم من اندلاع الحرب العالمية القادمة، وهذا صحيح لأنها ترهب كافة الدول، واستخدامها للردع فقط وليس للاعتداء. اليوم نعيش في عالم مترابط، وهناك مفهوم للاستقرار الاستراتيجي لا يزال فعالاً، إذ لا يمكن لأحد تحملُ الدخول في حرب نووية، لأن الجميع يعلمون أنه سيكون هناك ردُ فعل نووي يدمر العالم بأسره. لذلك لدى روسيا عقيدتها النووية التي تُحدد استخدام الأسلحة النووية فقط في حالة التهديد الخطير لوجود بلادنا.

ويعتقد كوزيولين أن الوضع الحالي بعيد جداً عن خطر المواجهة النووية.

الدخول في صراع عالمي آخر أو حرب عالمية لا يصب في مصلحة أحد، كما يقول فيليب إنجرام، لأنها “بمجرد أن تبدأ لا يمكن لأحد السيطرة عليها”.

وأضاف “بالنظر إلى مدى انتشار الأسلحة، لم يعد هناك مكان آمن بعد الآن. خلال الحرب العالمية الأولى والثانية، كانت الولايات المتحدة آمنة من الهجمات المباشرة، لكن اليوم يستطيع اليوم كيم جونج أون ضربَ الولايات المتحدة بأسلحته، وقد شهدنا الحرب على الإرهاب بعد هجمات 11 سبتمبر”.

ولا يعتقد إنجرام، أن أحداً ما سيتعمّد بدءَ صراع عالمي أو حتى إقليمي، مشيراً في الوقت ذاته، إلى أن الوحيد الذي بدأ صراعاً إقليمياً في أوروبا هو فلاديمير بوتين، بينما في الشرق الأوسط لم يحدث ذلك.

وتابع “لولا عدوانية إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني لسنوات عديدة لما كان هناك صراع، إضافة إلى ظهور جماعات مدعومة من إيران مثل حركة (حماس)، التي هاجمت إسرائيل، رغم معرفتها بأنه سيكون هناك استجابة مفرطة، وإذا رجعنا أكثر في التاريخ، سنجد أن هناك حروباً أهلية بين السنة والشيعة تدور منذ قرون، تُدار من قبل الدول التي أنشأها الغرب في نهاية القرن الـ19 أو بداية القرن الـ20، من خلال رسم خطوط مستقيمة على الخرائط والصحاري، من دون الأخذ في الاعتبار السكان الذين يعيشون في المنطقة. لننظر إلى الخسائر في منطقة صغيرة جداً مثل غزة. سنجد أنها تتجاوز عشرات الآلاف، وإذا ما تحولت الحرب إلى صراع إقليمي، لن يحتاج الأمر الكثير حتى تصبح الخسائر بسرعة مئات الآلاف وأكثر”.

وأضاف “ثم لدينا ما يحدث في جنوب شرق آسيا أيضاً، حيث هناك قضايا معقدة للغاية، وإذا بدأت الصين الحرب يمكن بسهولة سقوط عشرات ملايين الضحايا إذا أصبح الصراع عالمي. لهذا السبب، لا أعتقد أن أي شخص مهتم خاصة ببدء نزاع عالمي لأن الجميع سيكون خاسراً. ومع ذلك لا يُستبعد حدوثه بالمصادفة”.
كيف يتجنب البشر الصراع؟

شهدت أوروبا عبر تاريخها انتفاضات وحروباً دينية طاحنة وصراعات بين السلالات الحاكمة، واستمر ذلك حتى توقيع صلح وستفاليا منتصف القرن الـ17، الذي كانت الغاية منه وضعُ ضوابط تَحُول دون وقوع صراعات كبرى أو التخفيف منها،

ويُعتبُ “صلح وستفاليا” أول اتفاقية دبلوماسية في العصر الحديث، أرسى نظاماً جديداً في أوروبا مبنياً على مبدأ سيادة الدول، إلا أن النظام الجديد لم يصمد طويلاً، فسرعان ما عادت الحروب على مختلف أشكالها، واستمرت قرون لاحقة، مدفوعة غالباً بأطماع وطموحات القادة من جهة، وانتشار الأيديولوجيات والعصبيات القومية من جهة أخرى.

ثم تأسست الأمم المتحدة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، بهدف الحفاظ على السلام والأمن الدوليين. لم تتكرر الحروب الكبرى، لكن السؤال الكبير الذي ظل ملحاً.. كيف يتجنّب البشر صراعاً ستفوق خسائره ما يتصوره عقل إنسان؟

يعتقد إنجرام، أن هناك العديد من الآليات الموجودة لمحاولة التأكد من تجنب حرب كونية جديدة، مثل النقاشات التي تدور خلف الأبواب المغلقة ولا تعرف الصحافة عنها، سواء كان ذلك من خلال الدبلوماسيين الكبار من مختلف البلدان، أو من خلال الوسطاء، أو وكالات الاستخبارات، إذ إحدى مهمات الاستخبارات عندما تفشل جميع الجهود الدبلوماسية، هي محاولة الحفاظ على الحوار لتجنب تفسير الأنشطة بشكل خاطئ، وبالتالي تصاعد الأحداث.

فاديم كوزيولين هو الآخر يتفق على أهمية الحوار في تفادي الصراعات الكبرى “لا أرغب في المبالغة بوجود فرصة لوقوع الحرب العالمية الثالثة، فجميعنا يُدرك تكاليف حرب على هذا النطاق، لا سيما إذا لجأت الدول إلى الأسلحة النووية، مما يعني تقريباً تدمير البشرية، ولذلك دبلوماسيتنا على دراية كبيرة بهذا الأمر، والعسكريون أيضاً جيدون بتلك المخاطر.

ولا ينبغي تجاهلُ الأدوات التي تساعدنا على تجنب الصراعات، كالدبلوماسية والحوار بين الدول والقوى الكبرى، والحركات الشعبية السلمية وغيرها، وعلى نحو خاص لا ينبغي لنا نسيان المؤسسات الدولية.
“لا مفر من الحرب”

منذ ظهور الأشكال البدائية للعلاقات الإنسانية قبل آلاف السنين، بدأ الناس يفكرون بطرق أخرى للحصول على الموارد، كأن يتبادل كل طرف ما يحتاجه من الطرف الآخر، بدلاً من الغزو والسلب والقتل، إلا أن نزعة العنف بقيت رفيقة درب الإنسان في كافة محطاته التاريخية.

تقول معظم الروايات إن التاريخ لم يشهد فترات خالية من الحروب. هل هناك سبب وراثي يجعلنا نتقاتل؟ إذا كان القتال خيار بشري إلا يكون السلم خيار بشري متاح أيضاً. لا يقول العلم بوجود جينٍ فردي يُسمى “جين الحرب”، ذلك أن العنف الجماعي هو نتاج البيئة، والثقافة، والجغرافيا والظروف المحيطة من مخاطر وتهديدات وأطماع.

هل الحرب ذكورية في الأساس؟ منذ الانقلاب الذكوري قبل 7 آلاف عام، يُهيمن الرجال على المجتمعات، وينفردون باتخاذ قرارات الحرب والسلم، وتُشير الدراسات الحديثة إلى أن 97% من العسكريين والمسلحين حول العالم هم من الذكور.

من وجهة نظر فلسفية.. يحاول فيليب إنجرام تفسير السلوك العنيف لدى البشر “أعتقد أنه منذ بداية التاريخ، طبيعة الإنسان هي أنه كائن عدواني. إذا أراد شيئاً ما، يذهب ويأخذه. البشر سيطروا على قمة سلسلة الغذاء من خلال اصطياد الحيوانات الأخرى واقتلاع النباتات. وإذا كانت الأراضي لآخرين، سيهاجمها البشر. نرى هذا السلوك لدى الكائنات الأخرى أيضاً، لكن البشر أسوأ، لأنهم اخترعوا الحروب والأنظمة العدوانية وشقّوا الطرق لقتل الناس وتدمير الكوكب بسهولة بالغة حقاً. فهل الحرب لا مفر منها؟ أي الصراع. أعتقد، لا مفر منه، لأن لدينا الكثير من الاختلافات، والعديد من تلك الاختلافات مصطنعة من قبل الإنسان، وتم تصميمها من قبل البشر. وبدلاً من الاتفاق على أننا يمكننا العيش معاً والاستمتاع بالاختلافات التي لدينا، نميل إلى القتال، وكلنا يدّعي أن طريقته أفضل من طريقة الآخر. لذلك، أحاول فرض إرادتي عليكِ”.

وتابع إنجرام “أظهر التاريخ هذا منذ وجود البشر. لذلك، نعم، الحرب لا مفر منها، ونحن نعتقد أننا نعيش في وقت متحضر في القرن الـ21، لكننا نشهد المزيد من عدم الاستقرار والصراعات، سواء كانت بين الدول، أو بين مجموعات مختلفة داخل الدول”.
“عصي وحجارة”

إذا كنت تعتقد عزيزي القارئ أن العالم لن يُكرر أخطاء الماضي بإشعال حروب كبرى، فأنت أغلب الظن، مخطئ، وهذا ليس تشاؤماً أو معرفة يقينية بأن الحرب ستندلع بالفعل، من يدري حقاً؟ بل لأن التجارب السابقة علمتنا أن مصير البشرية، غالباً ما يكون في عهدة أشخاص يتولون زمام الأمور دون غيرهم.

ما الذي يضمن أن العالم في منجى عن صراع كوني جديد، تُستخدم فيه أكثر الأسلحة فتكاً وتدميراً، وتزحف نيرانُه إلى كل بقاع الأرض.. من يضمن مثلاً أن الولايات المتحدة لن تنهي يوماً طموح التنين الصيني بضربة قاضية، أو أن يَنفُذَ صبر الكرلمين في أوكرانيا فينقل الحرب إلى مرحلة “نكون أو لا نكون”، أو ربما تُقرر إسرائيل قصف إيران بأسلحة نووية على حين غرة، أو يضغط كيم جونج أون على الزر النووي الذي لطالما لوّح به لأعدائه.

قد لا نعرف بالضبط ما هي الأسلحة التي ستُستخدم في الحرب العالمية الثالثة، لكن، على الأرجح، الحرب العالمية الرابعة ستكون بالعصي والحجارة، قالها ألبرت أينشتاين يوماً.

[ad_2]
Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى