أدت الاعتداءات المستمرة من قِبَل الاحتلال، ومنعه كافة سُبُل وصول المساعدات الإنسانية إلى المواطنين إلى معاناة أهل قطاع غزة بدرجات متقدمة من المجاعة تصل إلى درجة “الكارثية” الأمر الذي أكده تقرير بحثي أصدره التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، ونشر في 25 يونيو/حزيران الماضي.
وفي تصريحات للجزيرة نت، يقول الدكتور عبد الحكيم الواعر مدير عام مساعد لمنظمة الأغذية والزراعة (فاو) والممثل الإقليمي لمنطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا “نصف سكان القطاع لا يملكون طعاما، وأكثر من 20% منهم يقضون أيامهم بالكامل دون أي وجبات. وقد دفع الجوع نصف أسر غزة إلى استبدال ملابسهم مقابل الطعام، ولجأ ثلثا عدد الأسر إلى جمع القمامة لبيعها”.
“مقياس ريختر للجوع” يشير لكارثة محققة
أشار التقرير إلى أن نحو 96% من أبناء القطاع، أي نحو 2.15 مليون شخص، سيواجهون أزمة غذائية كبرى بحلول سبتمبر/أيلول القادم. وبالنسبة لوقتنا الحالي، أشار التقرير إلى أن نحو 95% من السكان يعانون درجات متنوعة من المجاعة.
ويمثل هذا التصنيف -طبقا لبرنامج الأغذية العالمي- مقياسا لتقييم الأمن الغذائي في منطقة ما من العالم، ويقدم توصيات لحل أزمة الغذاء. ويشرف على إعداد هذا التصنيف لجنة دولية تتكون حاليا من 15 منظمة.
وبدأ العمل بهذا التصنيف عام 2004 بعد أن أسسته وحدة تحليل الأمن الغذائي والتغذية التابعة لمنظمة الفاو، من أجل تقييم الوضع الغذائي في الصومال آنذاك.
وينقسم التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي إلى 5 درجات، ويقع سكان قطاع غزة في الدرجات الأكثر خطورة.
ويبدأ التصنيف من المرحلة الأولى التي تعني أن السكان لا يعانون أي مشكلة ترتبط بالأمن الغذائي، بينما تشير المرحلة رقم 5 إلى أن الوضع كارثي يستدعي حل المشكلة فورا دون تأخير، وأن المواطنين يعانون مجاعة فعلية.
وقد ذكر التقرير أن نحو 2.13 مليون من مواطني القطاع يعانون درجات مختلفة من المجاعة (بدءا من المرحلة الثالثة) وأن نحو 343 ألف مواطن يعانون مجاعة كارثية (المرحلة 5) وسيزيد العدد ليصل لنحو نصف مليون إنسان بحلول نهاية سبتمبر/أيلول.
من سيئ إلى أسوأ
وفي فبراير/شباط من العام الحالي، توقع التصنيف حدوث مجاعة في منطقة شمال القطاع بحلول نهاية مايو/أيار نتيجة استمرار الاعتداءات وانخفاض معدل وصول المساعدات الإنسانية إليه.
ورغم تحسن الوضع نسبيا بسبب حصول السكان على كميات أكبر من المساعدات الغذائية خلال مارس/آذار وأبريل/نيسان، أدت الاعتداءات المكثفة على مناطق جباليا وبيت حانون والزيتون إلى نزوح نحو 100 ألف فرد، أي نحو ثلث سكان شمال القطاع.
وعلى الجانب الآخر عانى سكان جنوب القطاع تدهور الوضع بسبب اعتداءات الاحتلال المستمرة، خاصة بعد قصف رفح جوا وبحرا، وامتداد الاعتداءات إلى دير البلح، خاصة مخيم النصيرات للاجئين، مما أدى إلى نزوح نحو مليون فرد.
الرضع والحوامل والمُسِنُون في خطر داهم
“كل سكان قطاع غزة متضررون من الوضع الحالي، لكن الأطفال خاصة الرضع، والنساء خاصة الحوامل، والمسنين، يُعَدون أكثر ھشاشة مقارنة بالباقين فيما يتعلق بمواجهة خطر الجوع” بحسب تصريح الواعر الذي أشار إلى أن نحو 33% من السكان سيواجهون ظروفا غذائية طارئة (المرحلة الرابعة من التصنيف) بينما سيعاني نحو 22% منهم “مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي” (المرحلة الخامسة والأخيرة من التصنيف).
ويعني الوصول إلى المرحلة الرابعة أن الأسر تعاني نقصا كبيرا في الغذاء، الأمر الذي سيؤدي إلى معاناة سوء التغذية الحاد الذي قد يتسبب بالتبعية في الوفاة.
وببلوغ المرحلة الخامسة من التصنيف “لا تستطيع الأسر تلبية احتياجاتها الأساسية نتيجة نقص الغذاء الشديد، مما يعني حدوث مجاعة دون وجود أي قدرة على التكيف مع الواقع، وهي مرحلة تستدعي اتخاذ إجراءات فورية واسعة النطاق من أجل ضمان وصول المساعدات الإنسانية”.
الاحتلال يتعمد تجويع سكان غزة بتدمير الزراعة
إلى جانب جرائم الاحتلال المتمثلة في قتل المواطنين العزل عن عمد، وتدمير كافة البنى التحتية من مياه وصرف صحي وكهرباء، لعب تدمير القطاع الزراعي دورا كبيرا في حدوث مجاعة بالقطاع.
ويوضح الواعر قائلا في تصريحه للجزيرة نت “أسهم النشاط الزراعي في غزة بنحو 20% إلى 30% من الاستهلاك الغذائي اليومي، واكتفت غزة ذاتيا إلى حد كبير بالنسبة للخضراوات والبيض والحليب الطازج، إضافة إلى الأسماك، إلا أن العمليات العسكرية أدت إلى توقف النشاط الزراعي توقفا شبه كامل، بسبب تضرر البنية التحتية، ومعاناة المزارعين خطر الاستشهاد الدائم”.
وأشار الواعر إلى أن توقف قطاع الزراعة عن العمل أدى إلى خسائر في دخل الأسر المعتمدة على هذا النشاط بنسبة 72%، وإلى أن صور الأقمار الصناعية الملتقطة في ديسمبر/كانون الأول بيَّنت انخفاضا كبيرا في كثافة المحاصيل الزراعية داخل القطاع.
وبدءا من 20 مايو/أيار، تضررت أكثر من نصف الأراضي الواقعة في القطاع، إلى جانب تضرر نحو 33% من الصوبات الزراعية، ونحو 46% من الآبار. أضف إلى ذلك معاناة ميناء غزة من أضرار جسيمة، وتدمير معظم قوارب الصيد”.
الفاو تحاول والاحتلال يمنع
استطاعت منظمة الفاو الوصول إلى 2900 مستفيد، إلا أن جهود التوزيع توقفت -مؤقتا- بعد إغلاق معبر رفح من جانب قوات الاحتلال.
وتواجه الفاو، مثلها كمثل باقي الجهات الفاعلة في الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، تحديات لوجستية عدة تمنعها من إيصال مواد المساعدات الزراعية إلى غزة، بداية من تصاريح الدخول.
ويقول الواعر “يخاطر المزارعون وصائدو الأسماك ورعاة المواشي بحياتهم من أجل مواصلة الإنتاج، إلا أن الأمر صار مستحيلا بسبب الحظر الكامل على واردات مدخلات إنتاج الغذاء”.
ويؤكد -في تصريحه للجزيرة نت- ضرورة وصول المساعدات الإنسانية والزراعية إلى القطاع لمنع انهياره الكامل، والحد من الجوع، ومنع مزيد من الوفيات الناتجة من انعدام الأمن الغذائي.
ويضيف “إن تأكيد معاناة غزة مجاعة من خلال التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أو عدم تأكيده لا يغير بأي شكل حقيقة المعاناة الإنسانية داخل القطاع، ولا يغير الضرورة المُلِحَّة لإيقاف معاناة المدنيين عبر تمكين وصول المساعدات إليهم بأمان دون عوائق، ولا يغير من حتمية وقف الأعمال العدائية”.