ميلواكي- يطلق مصطلح “حزام الصدأ” على المنطقة الجغرافية الممتدة من غرب ولاية نيويورك عبر ولايات الغرب الأوسط، وتضم 7 ولايات هي: بنسلفانيا، أوهايو، فرجينيا الغربية، إلينوي، إنديانا، ميشيغان، وصولا لولاية ويسكونسن.
ولعقود طويلة رفعت هذه المنطقة راية التصنيع الثقيل في الولايات المتحدة، وركزت على مناجم الفحم، وإنتاج الصلب وصناعة السيارات والآلات الهندسية، وأصبح “حزام الصدأ” مركزا صناعيا ضخما، نظرا لقربه من البحيرات العظمى والقنوات والأنهار، وهذا سمح للشركات بالوصول إلى المواد الخام وشحن المنتجات النهائية بسهولة نسبية.
ارتبط الصدأ بهذه المنطقة منذ أواخر سبعينيات القرن الـ20، بعد انخفاض حاد في العمل الصناعي، وترك العديد من المصانع مهجورة ومقفرة، وهذا تسبب في زيادة الصدأ عليها من الخارج، وأدى ذلك لفقدان مئات الآلاف من العاملين وأبناء الطبقات العاملة لوظائفهم، بعد انتقالها لأسواق عمالة أرخص في المكسيك والصين.
ويعتبر الكثير من المراقبين أن ولايات “حزام الصدأ” هي التي رجحت اختيار جي دي فانس نائبا للمرشح الجمهوري دونالد ترامب، لما يملكه من خبرة حياتية، كونه “ابن بار” للطبقة العاملة في هذه الولايات، والتي عانت من التبعات السيئة للعولمة، بينما يعقد الجمهوريون آمالا كبيرة على فانس في مساعدة ترامب لاستعادة الولايات المتأرجحة الثلاث التي صوتت للرئيس الحالي جو بايدن عام 2020.
وقالت جامي بيرسون، مندوبة من ولاية ميسوري، في حديث للجزيرة نت، إن ترامب نظر إلى الخريطة الانتخابية، وأدرك أن فانس يمكن أن يساعد في الفوز بولايات حزام الصدأ، التي عرفت الفقر وهجرة الوظائف للصين، وقالت إن “بطاقة فانس سيكون لها تأثير كبير في ضمان الفوز في بنسلفانيا وويسكونسن وميشيغان، والظفر بالبيت الأبيض“.
الولايات المتأرجحة
ويُتوقع أن تتوقف نتيجة الانتخابات الرئاسية على 6 ولايات متأرجحة، كان الرئيس جو بايدن قد فاز فيها عام 2020، لكنه اليوم يتخلف عن ترامب في جميعها، وفقا لمتوسط استطلاعات للرأي أجراها موقع “رييل كلير بوليتك” المختص بالانتخابات، خلال الأشهر الستة الأخيرة، منها كل من ولاية جورجيا وأريزونا ونيفادا، التي تحظى باهتمام واسع من حملتي بايدن وترامب.
أما الولايات الثلاث المتأرجحة الباقية فتقع ضمن حزام الصدأ، فبعد تحول كل من ولايات الحزام أوهايو وفرجينيا الغربية وإنديانا إلى التصويت للجمهوريين، وحسم ولاية إلينوي كولاية مضمونة للديمقراطيين، بقيت ميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن ولايات متأرجحة.
ونظرا للتركيبة السكانية المتغيرة مع هجرة مئات الآلاف من سكان هذه الولايات بحثا عن فرص عمل، وتدهور الوضع الاقتصادي فيها مع زيادة معدلات الفقر، فإن هذه الولايات الثلاث دفعت بالكثير من المعلقين لاعتبار نتائجها الانتخابية محددة لهوية الرئيس القادم.
ففي ولاية ميشيغان يحتفظ ترامب بأضيق تقدم له بنسبة تبلغ 1.3%، وفقا لمتوسط 6 استطلاعات أجريت خلال النصف الأول من هذا العام، وهي الولاية التي فاز فيها بايدن عام 2020 بفارق 154 ألف صوت، أي بنسبة 2.7%، في حين فاز فيها ترامب في انتخابات عام 2016 بفارق 11 ألف صوت، أي ما نسبته 0.04% فقط.
وفي ولاية بنسلفانيا يتقدم ترامب بمتوسط 4.5% نقطة، متصدرا في جميع استطلاعات الرأي التي أجريت هذا العام، بينما سبق أن فاز بايدن بالولاية بفارق 80 ألف صوت، أي ما يقرب من 1% عام 2020، في حين فاز فيها ترامب عام 2016 بفارق 68 ألف صوت، أي ما نسبته 1.2%.
أما ولاية ويسكونسن فيتقدم ترامب فيها بفارق 3% في متوسط استطلاعات هذا العام، في حين سبق أن فاز بها بايدن عام 2020 بفارق 20 ألف صوت، أو ما نسبته 0.07%، وفاز بها ترامب عام 2016 بفارق 27 ألف صوت، أي ما يقرب من 1% فقط.
وقبل أكثر من 100 يوم من إعادة مباراة المنافسة الانتخابية بين بايدن وترامب، ومع ضمان كل مرشح الفوز بعدد من الولايات، ينبغي لبايدن الفوز بولايتين على الأقل من بين ولايات حزام الصدأ المتأرجحة، لضمان حصوله على 270 صوتا في المجمع الانتخابي، للاحتفاظ بالبيت الأبيض.
ومن أجل هذا، تقضي حملة بايدن الكثير من الوقت في توسيع وجودها على الأرض داخل هذه الولايات، وترتب زيارات متكررة لبايدن ونائبته كامالا هاريس كذلك.
معضلة بايدن
يقول الخبير الإستراتيجي الديمقراطي جيمس كارفيل إن ولايات حزام الصدأ تظل اللبنة الأساسية التي لا غنى عنها لأي فوز لبايدن، “إنها بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن، وكل شيء آخر يمثل إضافة قليلة”.
ورغم جهود بايدن بالتودد لناخبي ولايات الصدأ، إلا أن تراجع الأوضاع الاقتصادية في عهده، وارتفاع الأسعار ونسب التضخم، تُصعب من مهمته، خاصة بين أنصاره التقليديين من الناخبين السود واللاتينيين.
وشكلت هذه الولايات تاريخيا جزءا مما يطلق عليه “الجدار الأزرق”، حين صوتت 18 ولاية صناعية بها تجمعات ضخمة للطبقات العاملة للمرشح الديمقراطي في جميع الانتخابات الرئاسية الست، منذ فوز الرئيس بيل كلينتون عام 1992 إلى فوز الرئيس باراك أوباما عام 2012.
لكن ترامب حقق مفاجأة ضخمة عندما ظهر في ميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن عام 2016 بهامش فوز ضيق، بلغ في الولايات الثلاث حوالي 78 ألف صوت، حيث اعتمد على دعم أصوات البيض من غير خريجي الجامعات، الذين يشكلون أقل بقليل من نصف الناخبين في ولاية بنسلفانيا، وما يزيد قليلا على النصف في ولاية ميشيغان، وثلثي أصوات ناخبي ولاية ويسكونسن.
كما يعكس التحول في التركيبة السكانية لهذه الولايات معضلة لجو بايدن، خاصة مع احتفاظه بنفس نسب دعم الناخبين البيض المنخفضة، في الوقت الذي تُظهر معظم استطلاعات الرأي أن داخل هذه الولايات يوجد تآكل غيّر في نسب تأييد الناخبين السود واللاتينيين له.
كذلك تراجع دعم الكثير من الشباب لبايدن خاصة في ولايتي ميشيغان وويسكونسن، بسبب مواقفه الداعمة للعدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، فخلال مظاهرات خارج مقر انعقاد مؤتمر الحزب الجمهوري، أكدت الشابة ناتلي كافوفيتش للجزيرة نت أن شباب ولاية ويسكونسن، ومنهم طلاب جامعة ويسكونسن في كل فروعها، خاصة ماديسون وميلواكي، قد انقلبوا بالفعل على بايدن.
وقالت كافوفيتش “نحن ندعم تقليديا الحزب الديمقراطي لمواقفه الليبرالية في القضايا الاجتماعية وحقوق المرأة والحريات الجنسية، لكن لا يمكننا التصويت لداعم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة“.
وردا على سؤال للجزيرة نت حول إمكانية تصويتها لترامب، ردت كافوفيتش بالقول “لا يمكن تحت أي ظرف من الظروف أن أصوت لترامب، أنا لن أصوت لأحدهما، صوتي سيذهب للمرشحة جيل شتاين، أحد مرشحات الأحزاب الصغيرة”.
وتلوح ميشيغان في الأفق، باعتبارها أكثر احتمالا للتصويت لترامب، بسبب غضب الأقلية العربية والمسلمة في الولاية من موقف بايدن تجاه غزة، إضافة لتصوير ترامب الانتقال المدعوم من بايدن نحو السيارات الكهربائية على أنه تهديد لصناعة السيارات المحلية والوظائف المرتبطة بها.
ومع أن فوز كل من ترامب وبايدن في ولايات حزام الصدأ ليس مضمونا، إلا أن خطوة ترامب بالإتيان بمؤتمر الحزب الجمهوري لويسكونسن تنقل رسالة إيجابية من الحزب الجمهوري ومرشحه إلى واحدة من أكثر الولايات تأرجحا.