مراسلو الجزيرة نت
كانبرا- شهدت الجامعات الأسترالية نضالا طلابيا مؤثرا من أجل فلسطين لم يحظ بانتباه الكثيرين وسط ازدحام الأخبار من مناطق متفرقة بالعالم، بخلاف الأنظار التي توجهت بكثافة إلى الاعتصامات الطلابية في الجامعات الأميركية منذ 18 أبريل/نيسان 2024.
وساهمت مشاهد العنف في الولايات المتحدة الأميركية ضد الطلبة والأكاديميين المعتصمين في إشعال الاحتجاجات الطلابية في العديد من دول العالم بما فيها أستراليا التي انطلقت مظاهرات في جامعاتها لتنضم للنضال الطلابي العالمي من أجل فلسطين منذ مايو/أيار الماضي، وأعلن الطلاب النشطاء تصعيد حملتهم كي تؤثر على المؤسسات، وتؤدي إلى قطع الروابط مع إسرائيل.
وأصدرت مجموعة “طلاب من أجل فلسطين” في أستراليا بيانا تدعو فيه إدارة الجامعات الأسترالية إلى توضيح العلاقة التي تربطها مع الجانب الإسرائيلي، ثم إلغاء أي استثمارات مع ممثليه، ومقاطعة الكيانات ذات الصلة به.
ورفضت المجموعة بشكل واضح أية مفاوضات مع إدارة الجامعات بالخفاء، وأكد نشطاؤها على ضرورة النقاش العلني في ملف العلاقة مع إسرائيل.
وطالبت مخيمات الطلاب المتضامنة مع فلسطين في مختلف الولايات بأستراليا، رؤساء الجامعات بسحب الاستثمارات من الشركات المرتبطة بطرف إسرائيلي، حتى لا تكون المؤسسات الأسترالية مشاركة بشكل غير مباشر في حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني.
نتيجة الضغط
وأسفر النشاط الطلابي في أستراليا عن نتائج واضحة وكبيرة، إذ أعلنت “الجامعة الوطنية الأسترالية”، بحسب صحيفة “الغارديان” البريطانية، أنها بدأت عملية مراجعة لمحفظتها الاستثمارية، وسيشارك في ذلك ممثلون عن الطلاب بجانب خبراء مختصين.
كما أعلنت “جامعة سيدني” أيضا عن عقد مراجعة لمحفظتها الاستثمارية أيضا نتيجة ضغط المظاهرات الطلابية.
وأوضحت “الجامعة الوطنية” أنه على الرغم من أن مبادرتها ذاتية الدافع، فإن حملة المناصرة الطلابية الحالية قد لفتت الانتباه إلى “ضرورة الوضوح في ما يتعلق بالإيرادات ذات الشبهات العسكرية”، تزامنًا مع تغير نظرة المجتمع إزاء فكرة “جني الإيرادات من مصنّعي الأسلحة”، وهو ما يستدعي إعادة النظر في ما يخص المحافظ الاستثمارية حسب تصريح الجامعة.
ومن جانب آخر، لعب النشاط الطلابي المتزايد المتضامن مع فلسطين دورًا في رفض “الجامعة الوطنية الأسترالية” اعتماد تعريف لـ”معاداة السامية“، كان سيؤدي إلى خنق حرية التعبير في ما يتعلق بنقد إسرائيل، ويحظر وصفها باعتبارها دولة فصل عنصري.
لكن الدولة الأسترالية لا تزال تُعاني من التخبط في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية؛ فمن جهة ألمحت وزيرة الخارجية الأسترالية بيني وونغ في أبريل/نيسان الماضي، إلى أن بلادها قد تعترف بالدولة الفلسطينية، باعتباره جزءا أساسيا من عملية السلام، وأن إقامة دولة فلسطينية ستؤدي إلى كسر دائرة العنف.
ولكن، من جهة أخرى، قرر حزب العمال الحاكم في أستراليا فصل النائبة البرلمانية فاطمة بايمان، بسبب تأييدها لاقتراح “حزب الخضر” الخاص بالاعتراف بالدولة الفلسطينية كدولة مستقلة، إذ رفض مجلس الشيوخ الأسترالي للمرة الثانية في 25 يونيو/حزيران الماضي هذا المقترح.
ثمن التضامن
ورغم التأثير المشهود للحركة الطلابية المتضامنة مع فلسطين في أستراليا، فإنها تعرضت للعديد من الضغوط، إذ تم تفكيك معسكرات ومخيمات للطلبة، كما واجه العشرات منهم إجراءات تأديبية بسبب نشاطهم الاحتجاجي ضد إسرائيل.
فقد تعرض 21 طالبا في جامعة “ملبورن” الأسترالية لخطر الطرد من جامعتهم بسبب نشاطهم السياسي المؤيد لفلسطين، حيث أرسلت إدارة الجامعة التي حظرت المظاهرات والاحتجاجات في حرمها رسائل بالبريد الإلكتروني للطلبة المعنيين تخبرهم فيها أنهم “قاموا بسلوك منافٍ وغير مناسب”.
وأثارت هذه القضية تحديدًا الكثير من البلبلة في الأوساط الجامعية، إذ حوت رسائل الجامعة للطلاب لقطات لهم من كاميرات المراقبة، وتضمنت تتبعا للمواقع، فضلًا عن تفاصيل استخدام الطلاب لشبكة الإنترنت في الحرم الجامعي، مما دفع نقابات وحقوقيين وقانونيين للنظر إلى الأمر باعتباره انتهاكا غير مسبوق لخصوصية الطلاب.
وبينما تستعد جامعة “ملبورن” لبدء التحقيقات مع الطلاب المتهمين بـ”سلوكيات غير لائقة” حسب وصفها، وأيضًا بإقامة اعتصام “كان مصدر قلق استدعى إلغاء الفصول الدراسية بسببه” بحسبها، تواجه الجامعة نفسها تحقيقات وفقًا لصحيفة “ذا إيدج” الأسترالية، بسبب انتهاكها لخصوصية الطلاب، حيث دعا الكثيرون إلى إلغاء أو تأجيل التحقيق مع الطلاب، حتى ينتهي على الأقل التحقيق مع الجامعة نفسها.
ومن الجدير بالذكر أن الكثير من الطلاب الذين يواجهون التحقيق هم فلسطينيو الأصل، والعديد منهم من طلاب القانون والطب، ومن الممكن أن يؤثر التحقيق المتعلق بـ”سوء السلوك” عليهم وعلى مسيرتهم المهنية المستقبلية بشكل سلبي، حتى لو لم يؤدّ إلى فصلهم نهائيا.