[ad_1]
يقول المثل الشعبي “الشيء لزوم والشيء”، وهو المعنى ذاته الذي منحه عالم الأنثروبولوجي الكندي جرانت ماكراكن عام 1988 اسم “تأثير ديدروا”، ليصف به تلك الحالة التي تنتاب كثيرين، ينطلقون في سلسلة من عمليات الشراء، غير المخطط لها، لأغراض مرتبطة ببعضها البعض، حتى ولو كانت غير ضرورية.
ولكن هل “تأثير ديدروا” مرض نفسي أم تأثير عقلي يقع تحت سطوته كثيرون دون أن يفهموا ما يجري حقا، إليك القصة.
من هو ديدروا؟
عاش الفيلسوف والكاتب الفرنسي دينيس ديدروا في القرن الثامن عشر، تحديدا في الفترة من 1713 إلى 1784، ورغم مكانته الفكرية فإنه عاش حياة فقيرة جدا، للدرجة التي لم يستطع معها شراء تجهيزات زواج ابنته، وقد سمعت الإمبراطورة الروسية كاثرين الكبرى بمشكلة ديدروا، فعرضت شراء مكتبته، وتعيينه أمينا للمكتبة، كما عرضت عليه راتب عدة سنوات مقدما، فصار فجأة، ثريا بشكل لم يخطر له ببال، فقرر أن يبدأ في تحسين أوضاعه، وكانت البداية مع مقعد القش الذي جلس عليه لسنوات، فاشترى واحدا جديدا، لكنه لم يلبث أن اضطر إلى شراء طاولة خشبية، ثم بساط للأرض، باهظ الثمن، من دمشق، ثم لوح خشبي يحمل كتبه، وثوب جديد باللون القرمزي، ليلائم المشهد العام الفاخر للمكان، سلسلة من عمليات الشراء القهرية، جعلته يكتشف لاحقا أنه وقع في فخ.
ربما لهذا كتب مقالا طويلا، نشر ضمن أعماله الكاملة بعنوان: “أندم على ثوبي القديم” يتساءل في مقدمته، قائلا: “لماذا لم أحتفظ به؟ لقد اعتاد علي واعتدت عليه، كنت رائعا ووسيما، الثوب الجديد متصلب، يجعلني أبدو ممتلئ الجسم”.
كرة ثلج لا تتوقف أبدا
الحصول على ملكية شيء جديد، يخلق دوامة من الاستهلاك، التي تدفع لاقتناء مزيد من الأشياء الجديدة المتعلقة به، والتي ربما لم يكن المرء بحاجة إليها من قبل، كي يشعر بالسعادة والرضا.
يروي الكاتب الأميركي جيمس كلير، والمدرب في مجال تطوير الموارد البشرية، أنه كان أحد ضحايا “تأثير ديدروا” يقول في مقال عبر موقعه الرسمي: “اشتريت سيارة جديدة مؤخرا، وانتهى بي الأمر إلى شراء جميع الأشياء الإضافية لوضعها بداخلها، اشتريت مقياسا لضغط الإطارات، وشاحن سيارة لهاتفي الخلوي، ومظلة إضافية، ومجموعة إسعافات أولية، ومصباحا كهربائيا، حتى إنني اشتريت أداة لقطع حزام الأمان”.
الأمر ذاته أثر على الكاتبة المصرية مي فتحي، والتي تملك اهتماما خاصا بالأثاث والديكورات، تقول للجزيرة نت: “في عالم ديكورات المنزل والأثاث، يتجلى تأثير ديدروا، حين تشتري أريكة معينة فتجد نفسك في حاجة إلى مجموعة من الأغراض لاستكمال المشهد، ربما سجادة، وقطعة إنارة، مع تغيير الستائر لكي تتسق مع المشهد العام، وما يتبع ذلك من سلسلة عمليات شراء لأشياء أخرى ملائمة”.
تغير الوضع بمرور الوقت، تقول: “صرت أكثر وعيا بالأمر مع مرور الوقت، فلا أشتري أي أغراض من دون حاجة، مع التركيز على أن القطع الكبيرة في المنزل حين أشتريها قد لا تتسق مع الموجود، أصبح لدي وعي أن شراء قطعة واحدة، قد يستلزم سلسلة من عمليات الشراء اللاحقة”.
يشبه الخبراء تأثير ديدروا بـ”كرة الثلج” ولا يعدونه مرضا نفسيا، وإنما “ظاهرة نفسية”، وهو يختلف عن “إدمان التسوق” لأن تكرار عمليات الشراء لأغراض مختلفة، لا يمنح المرء كمية من مادة الدوبامين التي ترتبط بعملية الشراء، باعتبارها مكافئة، كما تشرح آن كريستين دوهيم، جراحة الأعصاب في جامعة هارفارد، ولكن الأمور تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث تبدأ بعض الهويات الشخصية تتشكل عبر عمليات الشراء المتتالية، فيربط المرء بين هويته وأسلوب حياته، وتعبيره عن ذاته عبر سلسلة من عمليات الشراء لأمور بعينها كطاولة قهوة بشكل معين، ونباتات زينة بلون ما يتلائم مع الطاولة، وربما أكواب زجاجية بشكل معين، وربما صينية بشكل يكمل الديكور العام، مع مكتبة في الخلفية، وهكذا يصبح هناك ارتباط نفسي وذاتي بين المرء والأغراض التي يشتريها، ويحيط نفسه بها.
يقول عالم الأنثروبولوجي الكندي جرانت ماكراكن إن هذا ما يفسر ارتباط أغراض مادية معينة بشعور المرء بالمحافظة على ذاته، وهو ما يفسر أيضا صعوبة التخلي عن الأشياء، حتى لو لم تعد تعمل، أو لم نعد بحاجة إليها، تبقى حاجتنا إلى وجودها وصعوبة التخلي عنها، بسبب ملاءمتها جزءا ما من شخصيتنا، وأنها تذكرنا بمراحل معينة في حياتنا.
هكذا تتجنب “تأثير ديدروا”
يعد الأمر الأخطر بشأن تأثير ديدروا أنه يدفع البعض إلى حالة من الصراع المحموم من أجل اقتناء أشياء معينة، يفترض المرء أنها سوف تحقق له السعادة، وهو ما يخلف لدى البعض حالة من التعاسة، وربما الإحباط، لذا تساعد مجموعة من الممارسات على تجنب الوقوع تحت تأثير ديدروا، أو على الأقل الوعي الكافي بما قد يسببه من عمليات شراء قد تفوق قدرات المرء المادية أحيانا، من أهم تلك الممارسات:
الوعي بما يحدث وربط حالة الانجذاب العنيفة إلى شراء أمور معينة بالسبب الحقيقي وراء ذلك.
حساب تكلفة سلسلة عمليات الشراء الأخيرة التي قمت بها، وهل كان الأمر يستحق فعلا هذا القدر من الإنفاق؟.
تقليل التعرض لمثيرات ومحفزات عادة الشراء، كالتوقف عن تصفح الكتالوجات الجديدة مثلا، أو مقاطع الفيديو والصور المتعلقة بالسلع ذات الصلة.
وضع حدود ذاتية، لعمليات الشراء كسقف مادي مثلا، أو رقم لعدد الأغراض الجديدة وهكذا.
وضع قانون ذاتي بعدم شراء شيء جديد إلا إن كانت هناك إمكانية للتخلص من مثيله القديم بالتبرع أو البيع، كي لا تزيد العناصر في الجوار عن الحاجة، مع عدم الاحتفاظ إلا بتلك الأشياء التي تجلب لك السعادة والراحة.
البقاء لفترات من دون شراء، شهر أو اثنين أو ربما 3، وفي حالة الحاجة الشديدة لشيء ما ربما يكون من المفيد تأجيرها، كجهاز طرد التراب مثلا، أو ربما جهاز ثقب الحائط “الشينيور” وغيرها من الأدوات.
يقول جوشوا بيكر مؤسس أحد المواقع الشهيرة الداعية إلى المينيماليزم، أو “تبسيط الحياة” إن ملاحظة المرء تأثير ديدروا على حياته، هو البداية الحقيقية للتخلص من سطوته، أما العلاج الحقيقي فيكون فعالا حقا حين يدرك المرء أنه ليست الممتلكات هي التي تحدد هويته كما يروج المسوقون.
Source link