في قلب مدينة البصرة العراقية، حيث تتلاقى الحياة مع تحدياتها اليومية، تحولت قضية وفاة الطبيبة بان زياد طارق بشكل مفاجئ من خبر محلي حزين إلى قضية رأي عام وطنية تهز أركان المجتمع. لم تكن وفاتها مجرد رحيل مأساوي لشابة في مقتبل العمر، بل أصبحت لغزًا معقدًا، تتصارع فيه رواية الانتحار الرسمية مع أدلة جنائية دامغة تشير إلى جريمة قتل بشعة. خلال الأسبوع الأخير، أصبح اسم الطبيبة بان زياد رمزًا للبحث عن الحقيقة، وصرخة تطالب بالعدالة في وجه محاولات طمس الأدلة وإغلاق الملف بهدوء.
من هي الطبيبة بان زياد؟ صورة عن قرب لمسيرة مهنية واعدة
لم تكن الطبيبة بان زياد مجرد اسم في سجل الأطباء، بل كانت كفاءة علمية وشخصية لامعة في مجال الصحة النفسية، وهو تخصص نادر وحيوي في مجتمع يعاني من آثار الحروب والأزمات. عُرفت الطبيبة الشابة، ابنة محافظة البصرة، بنشاطها الدؤوب وحضورها الفاعل في المؤتمرات والندوات الطبية. كانت تتمتع بشغف حقيقي لعملها، وسعت من خلال محاضراتها إلى نشر الوعي حول أمراض الاكتئاب والقلق، وتقديم الدعم النفسي للمجتمع. كان آخر ظهور علني لها في مؤتمر علمي، حيث وقفت بكل ثقة لتقدم محاضرة قيمة، ولم يكن أحد يتخيل أن هذه الإطلالة المليئة بالحياة ستكون الأخيرة. صورتها كطبيبة ناجحة ومحبة للحياة هي أول ما يثير الشكوك حول رواية انتحارها.
إقرأ أيضا:عاجل | نيويورك تايمز عن مقرب من بايدن: لن يكون من المفاجئ إعلان بايدن قريبا تأييده لكامالا هاريس مرشحة بديلة لهتفاصيل وفاة الطبيبة بان زياد: بين الرواية الرسمية وشكوك الرأي العام
بدأت القصة عندما تم الإعلان عن العثور على جثة الطبيبة بان زياد داخل منزلها. الرواية الأولى، التي صدرت عن عائلتها وتبنتها السلطات في البداية، كانت تشير بوضوح إلى أنها أقدمت على الانتحار. لكن هذه الرواية لم تصمد طويلًا أمام شكوك زملائها وأصدقائها الذين سارعوا إلى تفنيدها، مؤكدين أن شخصيتها القوية وطموحها المهني يتناقضان تمامًا مع فكرة إنهاء حياتها بهذه الطريقة. سرعان ما تحولت هذه الشكوك إلى يقين لدى قطاع واسع من الرأي العام مع بدء تسريب معلومات خطيرة من تقرير المعاينة الأولية للجثة، وهي معلومات قلبت القضية رأسًا على عقب.
أدلة تثير الشبهات في قضية الطبيبة بان زياد: هل كانت جريمة قتل متكاملة؟
التفاصيل التي تم تداولها من مصادر طبية وقانونية كانت صادمة، ورسمت صورة مغايرة تمامًا لما تم الإعلان عنه. هذه الأدلة هي المحرك الرئيسي الذي حوّل القضية إلى قضية رأي عام، وتشمل:
-
طبيعة الجروح: تحدثت التقارير عن وجود جروح قطعية عميقة للغاية في ذراعيها، وصلت إلى مستوى العظام والأنسجة العضلية، وهو أمر يصعب على شخص أن يحدثه بنفسه في حالة الانتحار.
إقرأ أيضا:فصائل فلسطينية تقصف مستوطنات إسرائيلية بالهاون ورشقات صاروخية | أخبار -
آثار عنف وخنق: وجود كدمات واضحة على وجهها وحول رقبتها، وهي علامات ترجح بقوة فرضية تعرضها لصراع عنيف ومحاولة خنق سبقت الوفاة.
-
تضارب الأدلة: وصولها إلى المستشفى “بدون نبض أو تنفس” مع وجود دماء على ملابسها، هي تفاصيل لا تتسق مع رواية انتحار هادئة.
-
تعطل الكاميرات: أشار برلماني عراقي في تقرير قدمه إلى أن كاميرات المراقبة في منزل الطبيبة بان زياد كانت معطلة بشكل متعمد، مما يثير شبهة التخطيط المسبق للجريمة ومحاولة إخفاء هوية الفاعل.
إقرأ أيضا:Baseus تكشف عن سماعات MC1 Pro التيتانيوم الجديدة بدعم الذكاء الاصطناعي
هذه النقاط مجتمعة جعلت من فرضية القتل السيناريو الأكثر منطقية وقبولًا لدى الجمهور، الذي بدأ يطالب بفتح تحقيق جنائي شفاف وعاجل.
تحرك رسمي وتحقيقات موسعة في قضية الطبيبة بان زياد
أمام هذا الضغط الشعبي الهائل الذي أشعلته منصات التواصل الاجتماعي، لم يعد بإمكان السلطات تجاهل القضية. حيث وجه وزير الداخلية العراقي، عبد الأمير الشمري، بتشكيل لجنة تحقيق خاصة من بغداد للانتقال إلى البصرة والإشراف المباشر على التحقيقات. هذا التحرك الرسمي أعطى أملًا للكثيرين في أن قضية الطبيبة بان زياد لن تُنسى، وأن هناك جدية في الوصول إلى الحقيقة كاملة. في غضون ذلك، شهدت البصرة وقفات احتجاجية نظمها زملاؤها وناشطون، مطالبين بالعدالة ورفضًا لأي محاولة للتلاعب بمسار التحقيق أو الضغط لإغلاق الملف.
قضية الطبيبة بان زياد: مرآة لواقع المرأة العراقية ومطالب بالعدالة
في نهاية المطاف، تجاوزت مأساة الطبيبة بان زياد كونها مجرد جريمة غامضة. لقد أصبحت قضيتها رمزًا لمعاناة أكبر، وفتحت نقاشًا واسعًا حول العنف الموجه ضد النساء في العراق، خاصة النساء الناجحات والمستقلات. يرى الكثيرون أن ما حدث لها هو رسالة ترهيب لكل امرأة تحاول أن يكون لها صوت ومكانة في المجتمع. اليوم، لم يعد المطلب هو فقط كشف قاتل الطبيبة بان زياد، بل هو مطلب بتحقيق العدالة لكل امرأة عراقية تتعرض للعنف، وبناء نظام قضائي قوي قادر على حماية أفراده وكشف الحقيقة مهما كانت مؤلمة ومعقدة. يبقى العراق بأكمله في انتظار التقرير النهائي للطب الشرعي، الذي سيحسم الجدل ويحدد المسار النهائي لواحدة من أكثر القضايا التي آلمت ضمير المجتمع العراقي في الآونة الأخيرة.