#التلاعب_بالعقول
د. #هاشم_غرايبه
واهمٌ من يعتقد ان صكوك الحرمان الكنسية التي كانت سلاحا مرعبا في القرون الوسطى قد انقرضت، وأثبت ذلك الفيلم الوثائقي “المطرودون Expelled” الذي أخرجه “Ben Stein” عام 2008 ، وأحدث ضجة في أمريكا والعالم، كونه تجرأ على نقض الاعتقاد السائد بقدسية العلم الحديث، وكشف الخرافة الموهومة القائلة أن المؤسسات البحثية والعلمية العليا في الغرب ملتزمة بأصول البحث العلمي وتحترم حرية العقل والمعتقد.
في هذا الفيلم يلتقي هذا المذيع الأمريكي الشهير مع أنصار نظرية التصميم الذكي وأعدائها أيضا، والتي جاءت كبديل للنظرية العتيقة التي جاء بها داروين، ليكشف لنا كم هو كاذب ذلك الإدعاء بأن أغلب العلماء يؤمنون بنظرية داروين، وكم هو مريع الاضطهاد والقمع والتعتيم التي تمارسه القوة العالمية الخفية ضد رافضي النظرية الداروينية، وطردهم من كل الأوساط العلمية في العالم أجمع.
ترجم الفيلم للعربية “محمد حمدي غانم”، ويتبين لنا فيه أنه رغم أن نظرية تطور جميع الكائنات من كائن أولي، لا تستند إلي أي دليل علمي ثابت، بل على العكس، تنفيها كل الاكتشافات العلمية التي توصل إليها العلماء منذ مطلع القرن الماضي وحتى اليوم، بما في ذلك سجل الحفريات، وعلم الوراثة، والبيولوجيا الجزيئية وDNA وخريطة الجينوم، بل وحتى قوانين الديناميكا الحرارية، إلا أنها بخلاف كل النظريات المعتمدة تنال قدسية غير معتادة، فهي تعتبر الكتاب المقدس للملحدين في العالم، وانبثقت منها كل الأيدلوجيات المنحرفة كالإمبريالية والفاشية والنازية والشيوعية.
إن نظرية التصميم الذكي هي البديل الأقرب الى المنطق العلمي من نظرية داروين، لأنها تنفي تماما فكرة الصدفة والعشوائية في خلق الكون والحياة، وتستند إلى الرياضايات والإحصاء والاكتشافات الحديثة في تركيب الخلية والحمض النووي الوراثي، لإثبات أن كل هذا التعقيد غير القابل للاختزال، لا يمكن أن ينشأ نتيجة الصدفة أو الطفرات أو التحورات البطيئة طويلة المدى، بل يجب أن يكون وراءه خطة ومصمم مبدع يتقن عمله.. ورغم أن هذه النظرية لا تتطرق إلى كنه هذا المصمم، إلا أنها تثير جنون الداروينيين والملحدين، لأنها تسحب منهم الكهنوت العلمي الزائف الذي كانوا يدعونه، باعتبارهم الدين نقيضا للعلم، لهذا قرروا أن يحاربوا هذه النظرية بكل وحشية، باستخدام التعتيم والتكميم والقمع والمنع من النشر والحرمان من نيل الدرجات العلمية والمنح البحثية، وهو ضد كل ما يدّعونه من حرية الرأي، ويجعلهم أعضاء في محاكم تفتيش عصرية ضد العلم والدين معا هذه المرة!
يلتقي “بين ستاين” مع عالم الأحياء التطوري “ريتشارد سترنبرج”، الذي طُرد من وظيفته كمحرر في مجلة تابعة لمتحف التاريخ الطبيعي، لمجرد سماحه بنشر مقال للدكتور “ستيفن ماير”، وهو واحد من أبرز مؤيدي نظرية التصميم الذكي.. في هذا المقال اقترح د. ستيفن ماير أن التصميم الذكي قد يكون أحد التفسيرات لكيفية ظهور الحياة.. وكان هذا كافيا لطرد ريتشارد ستنبرج من عمله!.. تماما كأننا في عصور محاكم التفتيش، حيث يعاقب الإنسان على أفكاره، بل إنه هنا يعاقب لمجرد سماحه بنشر أفكار غيره، التي قد لا يؤمن بها هو نفسه، لكنه ينشرها من باب حرية التعبير، أو عرض وجهات النظر المختلفة.
ثم يقدم عددا من المقابلات مع بعض العلماء والباحثين الأميريكيين المرموقين الذي طردوا من وظائفهم الأكاديمية أو حرموا من المنح الدراسية والبحثية، أو منعت مقالاتهم وأوراقهم البحثية من النشر في المجلات العلمية المحكمة.
الدكتورة “كارولين كروكر” طردت من التدريس في جامعة ميسون بعد أن طرحت لطلابها التصميم الذكي، فاستدعيت الى ادارة الجامعة واتهمت بأنها تدرس نظرية الخلق، وهذا أمر محظور، ثم وجدت أنها أدرجت على اللائحة السوداء ولم تقبل أية جامعة تعيينها.
د. “مايكل اجنور” أستاذ جراحة الأعصاب في جامعة كولومبيا أحيل على التقاعد مبكرا، والبروفيسور “روبرت ماركس” أغللقت جامعة “بايلور” موقعه البحث على الإنترنت وأجبرته على إعادة المبلغ المخصص لمنحته، د. “جوليرمو جونزاليس” أستاذ الفلك في جامعة واشنطن، لم تشفع له مكانته العلمية فطرد، لذا فهو ينصح العلماء الشباب أن يسكتوا ولا يغتروا بما يقال عن حرية التفكير إن أرادوا أن يكون لهم مكانا في المؤسسات العلمية.
هكذا بات الإلحاد هو العقيدة التي يجب على العالِم اتباعها..وهكذا تسقط مقولة الحرية الفكرية المزعومة.
هذا المحتوى التلاعب بالعقول ظهر أولاً في سواليف.