غير مصنف

الأكبر منذ 3 عقود.. كيف تصعّد إسرائيل مصادرة الأراضي بالضفة؟ | سياسة

نابلس-على مد البصر، وقف الفلسطيني ماهر بني جابر بشرفة يطالع أرضا ظلت تطؤها قدمه وماشيته على مدى 50 عاما، لكنه اليوم وبحكم أوامر الاحتلال العسكرية الجديدة يُحرم من دخولها أو حتى الاقتراب منها، كما أن أية “مخالفة” يرتكبها تعرضه لاعتداء المستوطنين ومصادرة أغنامه.

وحيث يقطن المواطن بني جابر (56 عاما) في بلدة عقربا جنوبي مدينة نابلس في شمال الضفة الغربية، صادقت إسرائيل قبل أيام على أكبر عملية مصادرة للأراضي الفلسطينية منذ اتفاق أوسلو قبل أكثر من 3 عقود، حسب حركة “السلام الآن” الإسرائيلية، بمساحة تزيد على 12 ألفا و700 دونم (الدونم يعدل ألف متر مربع)، بأوامر عسكرية أو بتحويلها إلى “أملاك دولة”.

وتقع الأراضي المستهدفة شرقي بلدة عقربا في المواقع المسماة “جبل القرن” (سرطبة) و”المسطرة” و”عَمرة” وغيرها. وتُعد هذه المصادرة الثالثة في المنطقة خلال عامين؛ فقد صادر الاحتلال عام 2022 نحول 5 آلاف دونم، وأكثر من 8 آلاف دونم أخرى في مارس/آذار الماضي، وهو ما دفع “السلام الآن” لإطلاق وصف “الذروة” على هذا العام.

وبسلبها أراضيهم، حرمت إسرائيل المزارع بني جابر والعشرات من أهالي بلدة عقربا مساحات شاسعة من المراعي وقيَّدت حركتهم، وأصبحوا ومواشيهم محاصرين داخل تجمعاتهم السكنية، “كما لو كنا داخل قارورة بمدخل ومخرج واحد” حسب وصف المزارع، بعد أن كانوا يسيحون في البلدة طولا وعرضا، سواء بزراعتها أو برعي أغنامهم.

عاطف دغلس- اغنام المواطنين اصبحت حبيسة حظائرها بفعل مصايقات المستوطنين واستيلائهم على المراعي- الضفة الغربية- نابلس- عقربا- الجزيرة نت4
أغنام المواطنين أصبحت حبيسة حظائرها بفعل مضايقات المستوطنين واستيلائهم على المراعي (الجزيرة)

انعكاسات المصادرة

ومن بين أكثر من 200 رأس من الأغنام، باع بني جابر 50 منها لينفق على عائلته المكونة من 8 أفراد. وما تبقى من أغنامه بعد أن تقلصت مساحات الرعي بات يلاحقهم جنود الاحتلال والمستوطنون ويعتدون عليها ويصادرون بعضها إلى جانب معداته الزراعية. لينعكس هذا الحال على كل مربيي المواشي في عقربا، والتي تشكل 30% من الثروة الحيوانية بالنسبة لمحافظة نابلس.

ويضرب الحصار بآثاره على المزارعين ممن حالهم يشبه بني جابر، حيث ترجم الاحتلال واقعا مصادرته للأرض، وصعَّد أكثر عمليات التجريف لشق الطرق الاستيطانية والتضييق على المواطنين لمنعهم الوصول لأراضيهم وهدم منشآتهم الزراعية والسكنية.

وعن قرب عاينت الجزيرة نت جانبا من هذه المعاناة وتجولت بين مساكن المواطنين وحظائر أغنامهم التي تزامن آخر هدم لها مع قرار المصادرة الأخير قبل أقل من أسبوعين، وأضحى الرعي لا يتجاوز محيط تلك الحظائر أو حتى داخلها، حيث تطعم بالأعلاف الجاهزة غالية الثمن عوضا عن التجول في المراعي وأكل العشب.

عاطف دغلس-اراضي جبل القرن-سرطبة-التي صادرهها الاحتلال باوامر عسكرية جديدة علما انه يصنف اكثر من 120 الف منها بمناطق سي ليسهل تهويدها- الضفة الغربية- نابلس- شرق عقربا- الجزيرة نت5
أراضي جبل القرن التي صادرها الاحتلال بأوامر عسكرية ليسهل تهويدها (الجزيرة)

وبالمصادرة الأخيرة تكون إسرائيل قد وضعت يدها على 25 ألف دونم من أراضي البلدة خلال عامين فقط، وبذلك يؤكد صلاح بني جابر رئيس بلدية عقربا أنها أكبر عملية مصادرة فعلا منذ أوسلو، وتشكل 60% من مساحتها التاريخية.

ويضيف رئيس البلدية للجزيرة نت، أن هذه المصادرة تندرج تحت عمليات تهويد للأرض منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، وطالت أكثر من 100 ألف دونم تُصنّف بأنها مناطق “ج” وفق اتفاق أوسلو؛ خاضعة لسيطرته الأمنية والإدارية.

وتقدر مساحة أراضي عقربا بـ144 ألف دونم، منها 122 ألفا صودرت بقرارات سياسية وأوامر عسكرية وأخرى عبر الاستيطان الرعوي، وتبقى منها 22 ألف دونم مصنفة ضمن مناطق “ب” وتشكل مساحة السكن في البلدة، ويطوقها الإسرائيليون بـ7 قواعد عسكرية و8 مستوطنات وبوابات عسكرية يغلقها الاحتلال متى شاء.

وبات من المعروف لسكان الضفة الغربية أن الاحتلال وقبل أن يُصدر أوامره بالسيطرة على الأرض يمنع أصحابها من الوصول إليها، ويسمح للمستوطنين، لا سيما الرعاة منهم، بإقامة بؤر استيطانية رعوية تنتقل من جبل لآخر، وتتصل ببعضها بنهاية المطاف.

“أملاك دولة”

وبالتزامن مع عملية المصادرة الواسعة في عقربا قبل أيام، أعلن الاحتلال امتلاكه وبالقوة أرض جبل صبيح في بلدة بيتا جنوبي نابلس بتحويلها “لأملاك دولة”، تمهيدا لتسليمها للمستوطنين، بعد فشله عبر 6 محاولات سابقة للاستيطان فيه بالتحايل على القانون.

ويطلق المستوطنون على الجبل اسم “جفعات أفيتار”، ومنذ العام 1988 وضع الاحتلال يده عليه عبر نقطة عسكرية للجيش، وما لبث أن أخلاه بعد تصدي أصحاب الأرض عام 1994، ليعاود الاستيطان بها في 2008، ومن ثم 2011 و2018، ويسعى بكل مرة لتهويده تحت ذرائع قانونية مختلفة.

وأخليت نقطة “أفيتار” مجددا عام 2021 من المستوطنين، على وقع احتجاجات واسعة لأهالي بيتا وإثر اتفاق بين قادة الجيش والمستوطنين آنذاك، على أمل العودة إليها بعد التحقق من ملكية الأرض، لكن جيش الاحتلال حولها لثكنة عسكرية وأبقى على كرفانات المستوطنين قائمة، وبالتالي السماح لهم باقتحامها كل حين وآخر.

عاطف دغلس-مدخل مستوطنة جفعات افيتار فوق جبل صبيح حيث اعلن الاحتلال ضمه لها باعتبارها املاك دولة- الضفة الغربية- نابلس- جنوب نابلس- الجزيرة نت9
مدخل مستوطنة “جفعات أفيتار” فوق جبل صبيح حيث أعلن الاحتلال ضمه باعتباره “أملاك دولة” (الجزيرة)

وبإعلان جبل صبيح “أراضي دولة” ثبتت حكومة الاحتلال قدم المستوطنين فيه، حسب ما يقول الناشط ضد الاستيطان في بلدة بيتا موسى حمايل للجزيرة نت. ويضيف أن أملاك الدولة قانون عثماني استغلته إسرائيل لمصادرة الأرض، بحجة أنها لم تعمَّر طوال 15 عاما، “وهذا غير صحيح، فجزء كبير من الأرض مزروع بالزيتون، كما أن الاحتلال منع أصحاب الأرض من الوصول إليها وفلاحتها”.

وأمام مساعي الاحتلال لإعادة الاستيطان في جبل صبيح، أعلن أهالي بيتا مواصلة فعالياتهم المختلفة والرافضة لذلك، وهي التي لم تتوقف أصلا طوال 3 سنوات، وإن “مرت بمد وجزر” حسب الناشط حمايل.

وبين صلاة الجمعة في المنطقة المستهدفة، وعمليات الإرباك الليلي وإشعال الإطارات، والمواجهة المباشرة، تنوعت أشكال احتجاج الأهالي بعد رفض الاحتلال التعاطي قانونيا وبكل الطرق لإعادة الأرض لأصحابها.

وتشير معطيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان (هيئة فلسطينية رسمية) إلى أن الاحتلال صادر منذ مطلع العام الجاري أكثر من 40 ألف دونم من أراضي المواطنين، وأن 24 ألف دونم منها استولى عليها تحت مسمى “أراضي دولة” في أكبر عملية سرقة للأرض منذ 30 عاما.

الصحيفة العربية الأردنية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى